نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء الخامس والأربعون(الأمر بطاعة الله والرسول صلي الله عليه وسلم)
الوصف
النداء الخامس والأربعون
الأمر بطاعة الله والرسول صلي الله عليه وسلم
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ (الأنفال: 20-23).
* موضوع الآية:
الأمر بطاعة الله والرسول والتحذير من المخالفة.
* معاني الكلمات:
(وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ): تعرضوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة أمره.
(وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ): القرآن والمواعظ.
(وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ): سماع تدبر واتعاظ – وهم المنافقون أو المشركون.
(الدَّوَابِّ): جمع دابة وهي ما تدب على الأرض.
(الصُّمُّ): عن سماع الحق، جمع أصم، وهو الأطرش.
(الْبُكْمُ): عن النطق بالحق، جمع أبكم، وهو الأخرس.
(وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ): على سبيل الافتراض، وقد علم ألا خير فيهم.
(لَتَوَلَّوا): أعرضوا عنه.
(وَهُمْ مُّعْرِضُونَ) : عن قبوله عنادًا وجحودًا.
* المناسبة:
لما خاطب الله المشركين والكفار بقوله: (وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )(الأنفال: 19) أتبعه بتأديب المؤمنين بالأمر بطاعة الله والرسول إذا دعاهم للجهاد وغيره؛ لأن الكلام من أول السورة إلى هنا في الجهاد. ومن أسلوب القرآن مقابلة الأشياء ببعضها، فلما حذر الكافرين اقتضى تنبيه المؤمنين، لئلا يتقاعسوا عن الدفاع عن الدين وإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
* المعنى الإجمالي:
أن الله تعالى في هذا النداء ينادي عباده المؤمنين الذين آمنوا به وبرسوله وصدقوا بوعده لأوليائه وهو النعيم المقيم، وبوعيده لأعدائه وهو النار وبئس المصير وذلك يوم لقائه سبحانه وتعالى.
فيأمرهم بطاعته وطاعة رسوله، وينهاهم عن الإعراض عنه وهم يسمعون الآيات تتلى، والعظات والمواعظ تتوالى في كتاب الله (عز وجل) وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن نصرهم وتأييدهم كان ثمرة إيمانهم وطاعتهم، فإن هم أعرضوا وعصوا فقد تركوا وقد خسروا ولاية الله تعالى لهم. وأصبحوا كغيرهم من أهل الكفر والفسق والعصيان.
هذا معنى قوله تعالى في أول النداء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) أما قوله تعالى: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ) فإنه ينهاهم (عز وجل) أن يسلكوا مسلك المشركين واليهود والمنافقين إذ الكل كان موقفهم مما يدعوهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم واحدا وذلك في التصامم عن سماع الآيات الحاملة للحق والداعية إليه والمبينة للهدى والفوز به، وفي التعامي عن رؤية آيات الله الدالة على توحيده كأنهم يقولون، بل يقولون: إنا عما يقول محمد في صمم، وفيما يذكر ويدعو إليه في عمى، إذ هم يقولون: سمعنا بآذاننا وهم بقلوبهم لا يسمعون، وذلك لأنهم لا يفكرون ولا يتدبرون فلذا هم في سماعهم كمن لا يسمع؛ لأن العبرة في السماع الانتفاع به لا مجرد سماع الصوت كان هذا معنى قوله تعالى: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ) أما قوله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) فهو إخبار منه تعالى يخبر عباده المؤمنين بحال الكافرين ليكونوا على بصيرة في أمر دعوتهم وجهادهم ومعاملتهم، يخبرهم بأنهم شر الدواب، وعلة ذلك كفرهم بربهم وشركهم به أوثانا فعبدوا غيره وضلوا عن سبيله ففسقوا وظلموا وأجرموا، الأمر الذي جعلهم حقا شر الدواب في الأرض. كان هذا تنديدا بالمشركين واليهود الكافرين والمنافقين وفي نفس الوقت هو تحذير للمؤمنين وفي كل زمان ومكان ودائما وأبدا من معصية الله ورسوله، والإعراض عن كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم لأن الشر الذي أصبح فيه المندد بحالهم من المشركين والكافرين من اليهود والمنافقين إنما كان بسبب معصيتهم لله ورسوله والإعراض عن كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم كان هذا معنى قوله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ)
أما قوله تعالى في الآية الثالثة من آيات هذا النداء الخامس والأربعون: (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُّعْرِضُونَ) إن هذا من باب الفرض والتقدير إذ سبق علم الله تعالى بهم في أنهم لا يسمعون إيثارا منهم للكفر على الإيمان والفسق على الطاعة، والضلال على الهدى. لذا لو أسمعهم أي لو جعلهم يسمعون آيات الله كما يسمعها المؤمنون الموحدون ويعرفون ما تدعو إليه من الهدى وما تحمله من بشارة المؤمنين ونذارة للكافرين والمنافقين والمشركين، لتولوا وهم معرضون والعياذ بالله تعالى. وسر هذا الإعراض بعد السماع: هو أن سنة الله تعالى في الإنسان أنه إذا توغل في الشر والفساد والظلم والخبث يصبح غير قابل للخير والإصلاح والعدل والطهر، فقد تدعوه ويسمع منك ما تدعوه إليه، وقد تبشره ويسمع منك البشارة وسببها، وقد تنذره فيفهم عنك النذارة وما أنذرته منه، ولكن لتوغله في ظلمة الشر والفساد والخبث والشر يجد نفسه مصروفا تمام الصرف عما تدعوه إليه. فلذا حذر الكتاب والسنة من تأخير التوبة وأمر باستعجالها مخافة أن العبد إذا استمر في المعصية زمنا تصبح طبعا من طباعه وخلقا ثابتا له فلا يقدر على تركها فيهلك بها والعياذ بالله تعالى.
درجات السماع والامتثال لكلام الله ورسوله
ذكر المفسرون رحمهم الله تعالى أن للسماع درجات باعتبار ما يطلبه الحق سبحانه من الاهتداء بكتابه:
1- أن يتعمد مَنْ يتلى عليه ألا يسمعه مبارزة له بالعدواة بادئ ذي بدء، خوفًا من سلطانه على القلوب أن يغلبهم (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)(فصلت: 26).
2- أن يستمع وهو ينوي أن لا يفهم ولا يتدبر كالمنافقين الذين قال الله فيهم: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) (محمد: 16).
3- أن يستمع لأجل التماس شبهة للطعن والاعتراض – كما كان يفعل المعاندون من المشركين وأهل الكتاب وقت التنزيل وفي كل حين إذا استمعوا إلى القرآن أو نظروا فيه.
4-أن يسمع ليفهم ويتدبر ثم يحكم له أو عليه، وهذا هو المنصف، وكم من السامعين أو القارئين آمن بعد أن نظر وتأمل.
فقد نظر طبيب فرنسي في ترجمة القرآن، فرأى أن كل النظريات الطبية التي فيه الطهارة والاعتدال في المأكل والمشارب وعدم الإسراف فيها ونحو ذلك من المسائل التي فيها محافظة على الصحة توافق أحدث النظريات التي استقر عليها رأي الأطباء في هذا العصر – فرغب في هذا كله وأسلم.
ورأى ربان –أي قائد-بارجة إنكليزية- ترجمة القرآن واستقصى كل ما فيها من الكلام عن البحار والرياح، فظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من كبار الملاحين في البحار، وبعد أن سأل عن ذلك وعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يركب البحر قط، وهو مع ذلك أمي لم يقرأ كتابا ً ولا تلقى عن أحد دروسًا، قال: الآن علمت أنه كان بوحي من الله؛ لأن في حقائق لا يعلمها إلا من اختبر البحار بنفسه أو تلقاها عن غيره من المختبرين ثم أسلم وتعلم العربية.
وكثير من المسلمين يستمعون القرآن ويتلون القرآن، فكأنهم لا يشعرون بأنهم في حاجة إلى فهمه وتدبر معناه، بل يستمعونه للتلذذ بتجويده وتوقيع التلاوة على قواعد النعم، أو يقصدون بسماعة للتبرك فقط.
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: إن مشركي زماننا أعظم شركا من شرك الجاهلية((ومنهم فرعون))، ذلك لأن الأولين يشركون في الرخاء، فإذا جاءت الشدة آمنوا، كما قال سبحانه: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت: 65)، وإن كان هذا لا ينفعهم شيئا، كما قال الشيخ ابن سعدي: إيمانا واضطراريًا، أما مشركو زماننا فهم يشركون في الرخاء والشدة – بل ويعزون ما يحصل من عقوبات دنيوية وتنبيهات ربانية في الواقع – يعزون ذلك إلى الظواهر الكونية، عياذا بالله من غضبه وموجبات سخطه.
يقول ابن القيم رحمه الله ما معناه: ما مني الإنسان بشيء أصعب وأكبر من موت القلب.
يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف: 179).
ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) (محمد: 12)، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.
* ما يستفاد من الآيات:
1- وجوب طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في أمرهما ونهيهما وحرمة ومعصيتهما.
2- حرمة التشبه بالمشركين والكافرين وسائر أهل الضلال، وفي كل شيء من سلوكهم.
3- بيان أن من الناس من هو شر من الكلاب والخنازير، فضلا عن الإبل والبقر والغنم، أولئك البعض كفروا وظلموا، لم يكن الله ليغفر لهم ولا يهديهم سبيلا.