نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الخامس (في فريضة الصيام وآثاره على نفس الصائم)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الخامس (في فريضة الصيام وآثاره على نفس الصائم)
442 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الخامس (في فريضة الصيام وآثاره على نفس الصائم)

النداء الخامس:

في فريضة الصيام وآثاره على نفس الصائم

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة: 183-184).

في فريضة الصيام وآثاره على نفس الصائم:

بين يدي الآية

اعلم أيها القارئ أنك بإيمانك منادى بهذا النداء الإلهي، وإنه لشرف لك وأي شرف فأصغ بأذنك واسمع، وأحضر جميع أحاسيسك وافهم، ووطن النفس على أن تعمل بما تعلم فإن في ذلك لحاقك بعظماء العباد، فقد روى مالك في الموطأ (أن من عَلِمَ وعَمِل بما عَلِم وَعَلَّمَه غيره دُعِي في السماء عظيمًا) هذا النداء الموجه للمؤمنين والمؤمنات يحمل فرضية صيام رمضان، ولما كان في الصوم مشقة؛ لأن ترك المعتاد من الأكل والشرب شاق على النفس، لذا هونه الله تعالى على عباده المؤمنين بقوله: "كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ" أي المؤمنين الأولين أتباع الرسل عليهم السلام. وهذا على حد قول العامة: " المصيبة إذا عمت خفت".

المعنى الإجمالي:

الصيام معناه: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وذلك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية الصيام، وقد بين تعالى شهر الصيام بقوله: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم رمضان" ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أن للمريض والمسافر أن يفطرا ويقضيا ما أفطراه بعد الشفاء، والعودة إلى البلد، كما أن الحائض والنفساء تفطران وتقضيان بعد الطهارة من الحيض ودم النفاس، إذ قال تعالى: "وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" وأما المريض الذي لا يرجى برؤه، والشيخ الكبير الهرم فإنهما لا يصومان ويطعمان عن كل يوم مدًا من طعام للفقراء والمساكين.

واعلم أيها القارئ أن الصيام من أفضل العبادات، وأعظمها أجرا، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" والخلوف رائحة الفم المتغيرة بطول الصيام، وقال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ورغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام ستة أيام من شوال، وصيام التاسع والعاشر من شهر المحرم، ويوم التاسع من شهر ذي الحجة وهو يوم عرفة، فقال صلى الله عليه وسلم: " صيام عاشوراء يكفر ذنوب سنة، وصيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين الماضية والآتية" ورغب في صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وقال صلى الله عليه وسلم: "إنها كصيام الدهر" كما كان صلى الله عليه وسلم يصوم الإثنين والخميس.

واعلم أيها القارئ الكريم أن من أكل أو شرب أو جامع وهو صائم فسد صومه، وأن من اغتاب أو نم أو سب مؤمنا بطل أجره، فاحذر مفسدات الصوم، ومبطلات أجره.

وللصوم فوائد روحية، واجتماعية، وصحية.

فمن الفوائد الروحية:

إن الصيام يعود على الصبر ويقوي عليه؛ ولذا قال ي صلى الله عليه وسلم : "الصوم نصف الصبر".

ويعلم ضبط النفس ويساعد عليه، ويُوجِدُ في النفس ملكة التقوى، فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه، فالصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها الذي تميل إليها نفسه، متقربا بذلك إلى الله سبحانه، راجيا بتركها ثوابه، فهذا من التقوى.

ومنها: إن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه.

ومنها: إن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فالصيام يضعف نفوذه منه المعاصي، ويكسر حدة الشهوة، فلقد أرشد العازب إلى الصوم قال صلى الله عليه وسلم : "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".

ومنها: إن الصائم في الغالب تكثر طاعاته، والطاعات من خصال التقوى.

ومن أعظم فوائد الصيام الروحية: إن الصائم يحتسب الأجر والثواب عند الله، ويصوم لوجه الله.

ومن فوائد الصوم الاجتماعية:

أن يقوي الأمة علىالنظام والاتحاد وحب العدل والمساواة، ويكون في الصائم عاطفة الرحمة وخلق الإحسان والبذل، فالغنى إذا ذاق أليم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء والمحتاجين.

ومن فوائد الصوم الصحية:

إنه يطهر الأمعاء، ويصلح المعدة، وينظف البدن من الفضلات والرواسب ويخفف من وطأة السمن وثقل البطن بالشحم، ويجدد البنية، ويقوي الصحة.

وكل هذه الفوائد الروحية والاجتماعية والصحية مشروطة بالاعتدال في تناول وجبات الفطور والسحور، وإلا أصبح الأمر عكسيا. قال بعض علماء أوربا: إن صوم شهر في السنة يذهب الفضلات الميتة مدة سنة في البدن.

ويشترط للصوم لتحقيق تلك الغايات السابقة عفة اللسان وغض البصر والامتناع عن الغيبة والنميمة واللهو الحرام. قال صلى الله عليه وسلم : "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامة وشرابة من أجلي" أي: من أجل الله، "ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش".

قال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، ودع أذي الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا يكن يوم صومك وفطرك سواء.

وفي الأثر: "الصوم جنة"، أس ستر ووقاية من المعاصي والآثام. والصيام من أفضل العبادات وأعظمها أجرا، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وقال: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

ما يستفاد من الآية:

1- فرضية الصيام وهو شهر رمضان.

2- الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن.

3- الصيام يغفر الذنوب لحديث: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

للصيام فوائد روحية واجتماعية وصحية.

1- يعود الصائم الخشية من الله تعالى، ومراقبته في السر والعلن.

2- كسر حدة الشهوة؛ ولذا أرشد العازب إلى الصوم.

3- يربي الشفقة والرحمة في النفس.

4- في المساواة بين الأغنياء والفقراء ونحوهم.

5- تعويد الأمة على النظام والوحدة والوئام.

6- يذهب المواد المترسبة في البدن، وبذلك تتحسن صحة الصائم.