نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء الثالث والخمسون_ (وجوب الخروج للجهاد إذا دعا الإمام إلى ذلك )

نداءات الرحمن  لأهل الإيمان  _  النداء الثالث والخمسون_ (وجوب الخروج للجهاد إذا دعا الإمام إلى ذلك )
658 0

الوصف

 النداء الثالث والخمسون
نداءات الرحمن  لأهل الإيمان  _  النداء الثالث والخمسون_ (وجوب الخروج للجهاد إذا دعا الإمام إلى ذلك )

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (التوبة: 38-39). 

  * موضوع الآيات: 

وجوب الخروج للجهاد إذا دعا الإمام إلى ذلك وحرمة القعود. 

*  معاني الكلمات:

 (مَا لَكُمْ): أي أَيُّ ثَبْتٍ لكم من الأعذار. 

 (انْفِرُوا): أي اخرجوا مستعجلين مندفعين بخفة ونشاط. 

 (اثَّاقَلْتُمْ): تباطأتم كأنكم تحملون أثقالًا. 

 (إِلَى الأَرْضِ): قعدتم فيها، والاستفهام للتوبيخ. 

 (مِنَ الآَخِرَةِ): آثرتم الدنيا على الآخرة. 

 (مَتَاعُ): ما يتمتع به من لذائد الدنيا. 

 (فِي الآَخِرَةِ): في جنب متاعها. 

 (إِلاَّ قَلِيلٌ): حقير. 

 (إِلاَّ تَنفِرُوا): إن لم تخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم. 

 (أَلِيمًا): مؤلما. 

 (وَيَسْتَبْدِلْ): أي يأت بهم بدلكم. 

 (وَلاَ تَضُرُّوهُ): أي الله أو النبي صلى الله عليه وسلم. 

 (شَيْئًا): بترك نصره، فإن الله ناصر دينه. 

 (وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ): مقتدر ومنه نصر دينه ونبيه. 

  * سبب النزول:

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا): أخرج ابن جرير عن مجاهد في هذه الآية قال: هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وَحُنَيْن في الصيف حين طابت الثمار واشتهوا الظلال وشق عليهم المخرج، فأنزل الله هذه الآية. 

 * وسبب نزول: قوله سبحانه: (إِلاَّ تَنفِرُوا) .  

أخرج ابن أبي حاتم عن نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس عن هذه الآية فقال: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياء من العرب، فتثاقلوا عنه، فأنزل الله (إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) فأمسك عليهم المطر فكان عذابهم. 

 * الخلاصة:

لا خلاف أن هذه الآيات نزلت عتابًا على تخلف منتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام. 

قال المحققون: وإنما استثقل الناس الخروج لغزوة تبوك لجهادالروم لأسباب:

1- شدة الزمان في الصيف والقحط. 

2- بعد المسافة والحاجة إلى الاستعداد الكثير الزائد على ما جرت به العادة في سائر الغزوات . 

3- إدراك الثمار بالمدينة في ذلك الوقت. 

4- شدة الحر في ذلك الوقت. 

5- مهابة عسكر الروم. 

*  مناسبة الآيات لما قبلها  

مناسبة الآيات لما قبلها أن الكلام السابق كان في حكم القتال مع اليهود وبيان حقيقة أحوالهم من خروجهم من هداية الدين في العقائد والأعمال والفضائل التي تهذب النفوس وتزكيها – والكلام هنا في غزوة تبوك، والمراد بها قتال الروم وأتباعهم من عرب الشام وجميعهم نصارى وبهذا استبان ارتباط الآيات بما قبلها. 

*  المعنى الإجمالي:

هذه الآيات من هنا إلى آخر السورة نزلت في غزوة تبوك تقوى من عزم المسلمين، وتكشف عن ستر المنافقين، وتبين أحكامًا كثيرة لازمة لجماعة المسلمين، وتعاقب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وغزوة تبوك كانت في السنة التاسعة للهجرة بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين والطائف، وكان المسلمون في عسرة وضيق، وقد حان قطاف الثمر عندهم والحر شديد فحصل من بعض المسلمين من التثاقل ما أوجب أن يعاتبهم الله تعالى عليه ويستنهضهم، فقال تعالى: يا من اتصفتم بالإيمان واهتديتم بالقرآن، ألا تعملون بمقتضى الإيمان ودواعي اليقين من المبادرة لأمر الله، والمسارعة إلى رضاه، وجهاد أعدائه لدينكم: (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ) أي تكاسلتم وملتم إلى الأرض والدعة والسكون فيها (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ) أي أرضيتم بالحياة الدنيا ولذتها الفانية وعرضها الزائل، بدلًا من سعادة الآخرة ونعيمها المقيم، إن كان الأمر كذلك فقد استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير، فما متاع الحياة الدنيا المشوب بالهم والحزن في جانب الآخرة ونعيمها الدائم والرضوان الإلهي العظيم فيها إلا شئ قليل، لا يعبأ به. ولقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم نعيم الدنيا في قلته وسرعته بمن وضع إصبعه في البحر، ثم أخرجها منه، قال: فانظر بم ترجع؟ 

روى الإمام أحمد ومسلم والترمذي عن المستورد أخي بني فهر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في الْيَمِّ، فلينظر بم يرجع؟" وأشار بالسبابة. وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة" ثم تلا هذه الآية ( فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) فالآية والحديث تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة. 

قال ابن عباس رضي الله عنه: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر، فكان عذابهم – فوالله ما آثر الدنيا على الآخرة مَنْ وَقَرَ الإيمانُ في قلبه، ولا مَنْ جَزُلَ رَأْيُهُ، ولا مَنْ عُدَّ مِنْ أُولِي الألباب. ثم توعدهم سبحانه على عدم النفير، فقال (إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) في الدنيا والآخرة، فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب، لما فيه من المضار الشديدة على الإسلام والمسلمين، ثم قال: (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا) . 

فإنه تعالى متكفل بنصرة دينه وإعلاء كلمته (وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه شيء أراده ولا يغالبه أحد. 

 * ما يستفاد من الآيات:

1- الجهاد في سبيل الله تعالى من أفضل الأعمال، وهو باق ما بقي من لا يعبد الله تعالى لقوله سبحانه: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ) (الأنفال: 39). 

2- إن النفير والتعبئة العامة يقوم بها إمام المسلمين عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، لهذه الآية الكريمة في هذا النداء العظيم. 

3- الجهاد وهو من أفضل الأعمال يكون فرض عين، ويكون فرض كفاية، وفرض العين يكون في ثلاثة أحوال:

1- أن يعلن الإمام التعبئة العامة والنفير العام، كما في هذه الآية التي تضمنها النداء. 

2- أن يعين الإمام من يشاء من المؤمنين فيجب على من عينه أن يخرج للجهاد. 

3- أن يداهم العدو أهل ثغر أو بلد على الحدود، فعلى كل ذكر بالغ عاقل أن يدافع ويقاتل حتى يقهر العدو، أو يصل المدد من إمام المسلمين وحكومته. 

4- أن يكون الجهاد وهو بذل الجهد والطاقة البدنية والفعلية. 

والمالية في سبيل الله، أي من أجل رضا الله تعالى وطاعة رسوله وأميره، فلا يكون من أجل سلطة أو مال أو جاه أو سمعة. 

5- بيان حقارة الدنيا وضآلتها أما الآخرة دار النعيم المقيم والسعادة الأبدية الخالدة، لقوله تعالى: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) وقوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في الميم فلينظر بم ترجع؟"، والإصبع التي أشار بها هي السبابة. 

6- وجوب نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دينه وفي أمته وسنته.