نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثالث (في أكل الحلال وشكر الله على ذلك)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثالث (في أكل الحلال وشكر الله على ذلك)
1831 2

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثالث (في أكل الحلال وشكر الله على ذلك)

النداء الثالث:

شكرالله على الطيبات

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" (البقرة: 172).

بين يدي الآية

خاطب الله سبحانه عباده المؤمنين بلفظ الإيمان، لأنهم هم المنتفعون على الحقيقة بالأوامر والنواهي بسبب إيمانهم، قال تعالى: "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" (الذاريات:55) فأمرهم سبحانه وتعالى بأكل الطيبات من الرزق والشكر لله على إنعامه باستعمالها في طاعته والتوقي بها على ما يوصل إليها.

ولا تنس أيها القارئ الكريم سر نداء الله تعالى لعباده المؤمنين بوصف الإيمان وهو أنهم بإيمانهم الحق أحياء يسمعون ويعقلون ويقدرون على الفعل والترك، واذكر أن الله تعالى ما ناداهم إلا ليأمرهم بما هو خير لهم، أو لينهاهم عما هو شر لهم، إذ بفعل المأمور وترك المنهي تتحقق تقوى الله عز وجل، وبالإيمان والتقوى تكون ولاية الله للعبد، واسمع ما قاله الله تعالى في ذلك: "أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" لذا يجب على المؤمنين إذا سمعوا نداء الله لهم أن يصغوا ويسمعوا لأنه ناداهم ليأمرهم أو ينهاهم فإذا فعلوا المأمور وتركوا المنهي إيمانا واحتسابا تحققت لهم ولاية الله ففازوا بذهاب الخوف والحزن عنهم في الدنيا والآخرة وهم في الغرفات آمنون.

حقيقة البسملة قبل الأعمال

اعلم أيها المؤمن أننا أُمِرْنا بالبسملة قبل كل عمل أو طعام ، وهناك حقيقتان في البسملة: (بسم الله الرحمن الرحيم) التي يجب أن نبدأ بها كل أعمالنا، وهما: أن تعزو النعمة إلى الله تعالى كي تحبه، وتعتقد أن هذه النعمة التي أنعم الله بها عليك هي فضل من الله.

فأنت حينما تسمي، يجب أن تذكر أن هذه نعمة الله التي أكرمك بها، وأن الذي دفعته ثمنًا ليس في الحقيقة ثمنًا لها، بل هو ثمن خدمتها. ومن يتوهم أنه سعى وكدّ وتعب وكسب المال، وأنفقه في شراء الحاجات فهو خاطئ؛ لأنه لم يدفع ثمن هذا الذي أكله، لكنه دفع ثمن خدمته، لذلك فإن قولنا: بسم الله، هو نعمة من نعم الله.

ولا بد من أن نتعامل مع النعمة وفق منهج الله، فلله عز وجل منهج يعلمك كيف ينبغي لك أن تأكل باعتدال ودون إسراف، وأن تأكل طعامًا طيبًا حلالًا، قال تعالى: "وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأعراف: 31).

والطعام الطيب هو الطعام الذي اشتري بمال حلال، وسمح الله بتناوله. ونسبة ما حرمه الله من الطعام والشراب لا تتجاوز 1% مما حلّل من المأكولات والمشروبات. ويخاطب الله الذين آمنوا به، وبعظمته وبرحمته وبحكمته وبقدرته بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" (البقرة: 172). وقال صلى الله عليه وسلم:

(يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)(الترغيب والترهيب).


 وقال العلماء: هناك شيء محرم لذاته، وشيء محرم لغيره، فأن يأكل الإنسان لحم خنزير، فهذا حرام لذاته، وأن يدخل الإنسان إلى مطعم، ويأكل طعامًا حلالًا دون أن يدفع الثمن فهذا حرام، لا لذات الطعام بل لغير الطعام. فليكن طعامك طعامًا مباحًا، وليكن ثمنه من مال حلال.

مناسة الآية لما قبلها:

ذكر كتاب أيسر التفاسير:

بينت الآية السابقة (172) حال الكفرة المقلدة لآبائهم في الشرك وتحريم ما أحل الله من الأنعام... نادى الجبار تبارك وتعالى عباده المؤمنين "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" بالله ربا وإلها، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا "كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ" ربكم بما أنعم به عليكم من حلالات اللحوم ولا تحرموها كما حرمها مقلدة المشركين، فإنه تعالى لم يحرم عليكم إلا أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ومع هذا من ألجأته الضرورة فخاف على نفسه الهلاك فأكل فلا إثم عليه.

قلت: بقدر ما يحصل له الفكاك من الهلاك.

المعنى الإجمالي

نادى الله سبحانه عباده المؤمنين ليأمرهم بالأكل والطيبات مما رزقهم الله من أنواع المطاعم والمشارب للحفاظ على حياتهم، إذ البنية البشرية استمرار حياتها وصلاحياتها متوقف على الغذاء والماء والهواء ليقوموا بأداء ما خلقوا له "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات:56) فالأمر هنا دال على الوجوب، إلا أن قوله "مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" يشير إلى أنه لما حرم المشركون على أنفسهم أنواعا من اللحوم كلحم السائبة والوصيلة والحام والبحيرة وأنكر الله تعالى ذلك عليهم،وأمر المؤمنين بالأكل من الطيبات وهي كل ما أحله الله تعالى من اللحوم وغيرها، وأمرهم عز وجل بشكره على نعمه التي أنعم بها عليهم من أنواع الطيبات من الرزق الحلال.

واعلم أخي المؤمن أن حالك يجب أن يكون مع المنعم؛ لأن غير المؤمن يكون حاله مع النعمة، قال تعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ" (محمد: 12)، فهناك فرق كبير بين أن تهتم بالنعمة وتهمل المنعم، فتصور إنسانًا دخل بيتًا بدعوة إلى تناول الطعام؛ فأكل ما لذّ وطاب من الطعام حتى شبع، ثم خرج من البيت، ولم يودع صاحب البيت الذي قدم له الطعام، أو يشكره، فأقل وصف يمكن أن نصف به هذا المدعو هو أنه إنسان لئيم.

الشكر:

تعريف الشكر، قال الجوهري في تهذيب اللغة: عن الليث: إن الشكر هو عرفان الإحسان وحمده موليه، والشكور من عباد الله هو الذي يجتهد في شكر ربه بطاعته وأداء ما وجب عليه من عبادته، والشكر ثلاثة أنواع: شكر القلب واللسان والجوارح، ويعبر ابن القيم عن حقيقة الشكر بأنه: ظهور أثر نعمة الله تعالى على لسان عبده ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة.

أركان الشكر وتطبيقها على الواقع:

1- الإقرار بالنعم.

2- نسبتها إلى المنعم وهو الله.

3- صرفها فيما يحب.

والشكر يكون باللسان، والقلب، والجوارح، في المال والبدن.

تطبيقها على الواقع:

وذلك كنعمة العلم والمال والبدن، فشكر نعمة العلم العمل به وتعليمه للناس، وشكر نعمة المال أن يصرف في طاعة الله لا في معصيته. وشكر نعمة البدن أن يسخره في عبادة الله وفعل الصالحات والمسابقة في الخيرات.

أكل الطيب الحلال سبب لإجابة الدعوة، وأكل الحرام سبب لعدم إجابة الدعوة:

قال القرطبي رحمه الله: خص المؤمنين هنا بالذكر تفضلا، والمراد بالأكل الانتفاع من جميع الوجوه، وقيل: هو الأكل المعتاد. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" (المؤمنون:51)، وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يارب يارب ومطعهمه حرام، ومشربه حرام ، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك".

الشكر: يحقق لصحابة جزاء طيبا، قال تعالى في سورة الزمر "إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ" (الزمر:7) وقال تعالى في سورة القمر "نِعْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ" (القمر:35) وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله يحب العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشر الشربة فيحمده عليها"، شكر النعمة يورث محبة الله لعبده كما في الحديث السابق.

خاتمة الآيات بعد تعداد النعم:

الحث والتوجيه والتحريض على الشكر:

جاء شكر الله سبحانه لعباده بعد بيان آلائه ونعمه عليهم خاتمة للآيات.

"كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (المائدة:89)، "وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (النحل:78)، "وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (الأنفال:26)، "كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (الحج:36)، "وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (القصص:73).

الشكر صفة الأنبياء:

قال تعالى في سورة النحل "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (النحل:120-121).

وفي سورة الإسراء ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا" (الإسراء:3)، وفي سورة النمل عن سليمان "قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ" (النمل:40) وقال عنه أيضا "وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" (النمل:19) وقال صلى الله عليه وسلم: لا يشكر الله من لا يشكر الناس".

من آيات الشكر في القرآن:

في سورة البقرة "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ" (البقرة:152)

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" (البقرة:172)

وفي سورة النحل "فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" (النحل:114)

وفي سورة الأعراف "فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ" (الأعراب:144)

وفي سورة لقمان "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" (لقمان:12)

وقال سبحانه "أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"

وفي سورة الزمر "بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ" (الزمر:66).

ومن وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "يا معاذ إني أحبك فلا تَدَعَنَّ دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذلك وشكرك وحسن عبادتك".

الشكر يقابل الكفر قال تعالى في سورة البقرة "وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ" (البقرة:152)، وفي سورة إبراهيم "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم:7)، وفي سورة النمل "وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" (النمل:40) الأمر بالشكر عقيبب النعم لأن الشكر يحفظ النعم الموجودة ويجلب النعم المفقودة، كما أن الكفر ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة.

ما يستفاد من الآيات

1 – وجوب تحري الأكل من الحلال الطيب

2 – وجوب الشكر على نعم الله من الطيبات

3 – أن الله أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث ويجب أن نمتثل وسلم لأمره ونهيه في ذلك

4- أن نتعامل مع نعم الله باعتدال دون تقتير ولا إسراف