نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء التاسع والسبعون (النهي عن موالاة الكفار )

نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء التاسع والسبعون (النهي عن موالاة الكفار )
262 0

الوصف

  النداء التاسع والسبعون

  النهي عن موالاة الكفار  

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِن كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ (الممتحنة: 1-2). 

  * موضوع الآيات: 

النهي عن موالاة الكفار وبيان علاقتنا بهم. 

*  معاني الكلمات:

 (عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ): أي الكفار والمشركون. 

 (أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ): أي لا تتخذوا أنصارًا توادونهم. 

 (وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ): أي دين الإسلام عقيدة وشريعة. 

 (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ): أي بالتضييق عليكم حتى خرجتم فارين بدينكم. 

 (أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ): إن تؤمنوا بالله ربكم. 

 (إِن كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي): أي ما دمتم خرجتم من أوطانكم للجهاد في سبيل الله وطلب مرضاته، فلا تتخذوهم أولياء ولا تبادلوهم المودة. 

 (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ): أي توصلون إليهم خبر خروج الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة سرية. 

 (وَمَن يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ): أي ومن يوادهم فينقل إليهم أسرار النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه وغيرها. 

 (فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ): أي أخطأ طريق الحق والجادة الموصلة إلى السعادة. 

 (إِن يَثْقَفُوكُمْ): يظفروا بكم متمكنين منكم في مكان ما. 

 (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً): أي لا يعترفون لكم بمودة. 

 (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ): بالقتل والضرب. 

 (وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ): أي بالسب والشتم. 

 (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ): أي تمنوا وأحبوا أن تكفروا بدينكم ونبيكم، وتعودوا إلى الشرك معهم. 

  * سبب النزول:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) ... الآيات، نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة، وكان من المهاجرين الذين شهدوا بدرًا، روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: "ائتوا روضة خاخ- هو موضع بينه وبين المدنية اثنا عشر ميلًا فإن بها ظعينة (امرأة مسافرة) معها كتاب فخذوه منها" فانطلقنا نهادي خلينا، أي نسرعها، فإذا نحن بامرأة فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب – أي من عليك – فأخرجته من عقاصها أي من ضفائر شعر رأسها – فآتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب ما هذا؟" فقال: لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ، ملصقا في قريش، أي كان حليفًا لقريش، ولم يكن قرشيًا، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدًا يحمون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه، وإن كتابي لا يغني عنهم من الله شيئًا، وأن الله ناصرك عليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق" فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال: اعلموا ما شئتم، فقد غفرت لكم". فأنزل الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)... الآية. 

*  المعنى الإجمالي:

هذه الآيات فيها النهي الشديد عن موالاة الكفار من المشركين وغيرهم وإلقاء المودة إليهم، وأن ذلك مُنافٍ للإيمان – ومخالف لملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ومناقض للعقل الذي يوجب الحذر كل الحذر من العدو، والذي لا يبقي من مجهوده في العداوة شيء، وينتهز الفرصة في إيصال الضرر إلى عدوه، فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) .. الآية، أي اعملوا بمقتضى إيمانكم من ولاية من قام بالإيمان ومعاداة من عاداه، فإنه عدو الله وعدو للمؤمنين. 

 (لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي) عدو الله - (وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أي تسارعون في مودتهم والسعي في أسبابها، فإن المودة إذا حصلت تبعتها النصرة والموالاة. فخرج العبد من الإيمان، وصار من جملة أهل الكفران، وهذا المتخذ للكافر وليًا عادم للمروءة أيضًا، فإنه كيف يوالي عدوه الذي لا يريد له إلا الشر، ويخالف ربه ووليه، الذي يريد به الخير، ويأمره به، ويحثه عليه، وبما يدعوا المؤمن أيضًا إلى معاداة الكفار: أنهم قد كفروا بما جاء المؤمنين من الحق. ولا أعظم من هذه المخالفة والمشاقة، فإنهم قد كفروا بأصل دينكم وزعموا أنكم ضلال على غير هدى، والحال أنهم كفروا بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية. ومن رد الحق فمحال أن يوجد له دليل أو حجة تدل على صحة قلهم، بل مجرد العلم بالحق يدل على بطلان قول من رده وفساده. 

ومن عداوتهم البليغة أنهم (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) أيها المؤمنون من دياركم ويشردونكم من أوطانكم. 

ولا ذنب لكم في ذلك عندهم إلا (أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) الذي يتعين على الخلق كلهم القيام بعبوديته؛ لأن رباهم وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة، فما أعرضوا عن هذا الأمر الذي هو أوجب الواجبات، وقمتم به عادوكم وأخرجوكم من أجله من دياركم، فأي دين وأي مروءة وعقل يبقى مع العدو إذا والى الكفار الذين هذا وضعهم في كل زمان ومكان، ولا يمنعهم منه إلا خوف أو مانع قوي، (إِن كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي) أي إن كان خروجكم مقصودكم به الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله وابتغاء رضاه، من أعظم الجهاد في سبيله، ومن أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى الله، ويبتغون به رضاه، تسرون إليهم بالمودة (وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ) أي كيف تسرون المودة للكافرين وتخفونها مع علمكم أن الله عالم بما تخفون وما تعلنون؟ فهو وإن خفي على المؤمنين فلا يخفى على الله، وسيجازي العباد بما يعلمه منهم من الخير والشر. ومن يفعله منكم، أي موالاة الكفار بعد ما حذركم الله منها، فقد ضل سواء السبيل لأنه سلك مسلكًا مخالفًا للشرع والعقل والمروءة والإنسانية، ثم بين تعالى شدة عداوتهم تهييجًا للمؤمنين على عداوتهم، فقال (إِن يَثْقَفُوكُمْ) أي يجدوكم وتسنح لهم الفرصة في آذاكم ( يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً) ظاهرين (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) بالقتل والضرب ونحو ذلك (وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) بالقول الذي يسوء من شتم وغيره، (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) وهذا غاية ما يريدون، تمنوا أن تكونوا معهم في الشرك بالله. 

  *  ما يستفاد من الآيات:

1- حرمة موالاةالكافرين بالنصرة والتأييد والمودة دون المسلمين. 

2- الذين ينقل أسرار المسلمين الحربية إلى الكفار على خطر عظيم، وإن صام وصلى. 

3- بيان أن الكفارين لا يرحمون المؤمنين متى تمكنوا منهم؛ لأن قلوبهم عمياء، لا يعرفون معروفًا ولا منكرًا، لظلمة الكفر في نفوسهم. وعدم مراقبة الله سبحانه، لأنهم لا يعرفون ولا يؤمنون بما عنده من نعيم وجحيم يوم القيامة. 

4- فضل أهل بدر وكرامتهم على الله عز وجل. 

5- قبول عذر الصادقين الصالحين ذوي السبق في الإسلام إذا عثر أحدهم عن اجتهاد منه. 

6- ذكرت الآيات خمسة أسباب لتحريم موالاة الكفار:

1- وهي الكفر بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم. 

2- وإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من ديارهم وأموالهم بمكة. 

3- وعداوتهم ومحاربتهم للمؤمنين. 

4- وقتالهم إياهم وضربهم فعلًا وسبهم وشتمهم. 

5- وحرصهم على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. 

7- حذر الله تعالى من مخالفة نهيه عن موالاة الأعداء بأمرين:

أولهما: أنه سبحانه الأعلم بما تخفي الصدور وما تظهر الألسن من الإقرار بالله وتوحيده. 

وثانيهما: أن من يوالي الكفار ويسر إليهم ويكاتبهم من المسلمين فقد ضل السبيل، أي أخطأ طريق الحق.