نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء التاسع والخمسون (آداب الاستئذان)

نداءات الرحمن  لأهل الإيمان  _النداء التاسع والخمسون    (آداب الاستئذان)
474 0

الوصف

النداء التاسع والخمسون

آداب الاستئذان  

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (النور: 58-59). 

*  الموضوع:

آداب الاستئذان لمن يعيشون في بيت واحد. أو آداب الاستئذان في داخل الأسرة. 

*  معاني الكلمات:

 (لِيَسْتَأْذِنكُمُ): أي ليطلب الإذن منكم في الدخول عليكم. 

 (الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ): من عبيد وإماء وخدم. 

 (لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ): أي سن التكليف، وهو وقت الاحتلام: خمس عشرة سنة فما فوق. 

 (ثَلاَثَ مَرَّاتٍ): أي في ثلاث أوقات. 

 (تَضَعُونَ ثِيَابَكُم): أي تخلعون ثيابكم في وقت الاستراحة للقيلولة والنوم. 

 (ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ): العورة ما يستحي من كشفه، وهذه الأوقات الثلاثة ينكشف فيها الإنسان في فراشه، فكانت بذلك ثلاث عورات، وسميت بذلك لأن الناس يختل تحفظهم وتسترهم فيها، وربما نام بعضهم عريانا. 

 (بَعْدَهُنَّ): بعد الأوقات الثلاثة. 

 (جُنَاحٌ): إثم وذنب في الدخول عليكم بدون استئذان. 

 (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ): أي للخدمة. 

 (بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ): أي بعضكم طائف على بعض. 

 (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ): أي الأحكام. 

 (وَاللهُ عَلِيمٌ): بأمور خلقه وأحوالهم. 

 (حَكِيمٌ): بما دبره وشرعه لهم. 

 (فَلْيَسْتَأْذِنُوا): في جميع الأحوال. 

 (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ): كرره تأكيدًا ومبالغة في الأمر بالاستئذان. 

  * سبب النزول:

قال ابن عباس: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب يدعوه له فوجده نائمًا في وقت الظهيرة، فدق الباب ودخل، فاستيقظ عمر فانكشف منه شيء، فقال عندها عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا في هذه الساعة، إلا بإذن. ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد هذه الآية قد نزلت، فخر ساجدًا شكرًا لله تعالى. 

وقال مقاتل: نزلت في أسماء بنت مرثد، كان لها غلام كبير، فدخل عليها في وقت كرهته، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها. فأنزل الله تعالى هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) ... الآية. 

*  مناسبة الآية لما قبلها:

بعد أن نهى سبحانه فيما سلف عن دخول الأجانب في البيوت إلا بعد الاستئذان والتسليم على أهلها بقوله: (أأدخل)، وبين أن في ذلك الخير كل الخير لهم، فإن لم يجدوا فيها أحدًا رجعوا لما في ذلك من كبير الأثر في المجتمع الإسلامي، بصيانة الآداب العامة ومنع القيل والقال، وحفظ الأعراض والأنساب، بين آداب الاستئذان داخل الأسرة والبيوت الكبيرة على ما سيأتي بيانه وتوضيحه:

*  المعنى الإجمالي:

هذه آداب خاصة لمن يعيش في أسرة كبيرة في بيت واحد، ويكون فيه الأخوة والأولاد والخدم والعبيد مثلًا فالواحد منهم لم يدخل بيتًا غير بيته. 

حتى تشمله الآيات السابقة الخاصة بالاستئذان، ولكن ما من شخص إلا وله أحوال داخلية، لا يحب أن يطلع عليها إنسان ولو كان ابنه، لهذا لم يتركنا القرآن الكريم الذي هو الدستور الإسلامي الإلهي، بل أنقذنا من ذلك الحرج، فقال سبحانه مخاطبًا المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ) المملوكون لكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات أي يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وأيقنوا بشريعة الإسلام نظامًا وحكمًا ومنهاجًا ليستأذنكم كل هؤلاء، وكون الصبيغير مكلف يوجب على وليه أن يُعَوِّدَهُ الآداب والأخلاق الإسلامية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". 

أما الأوقات الثلاثة فهي من قبل صلاة الفجر، حيث يستيقظ من نومه، ويهب من فراشه، فيخلع ثوبًا، ويلبس ثوبًا، ولعله بحاجة إلى خلوة في هذه الحال، ومن بعد صلاة العشاء، حيث يكون قد فرغ من عمله، وتخلى من تكاليف الحياة، وأوى إلى أهل بيته، ليأنس بهم ويأنسوا به، وهو يستعد للنوم، وربما لبس ثيابًا خاصة، ولا منغص له أكثر من طارئ يفاجئوه على هذه الحال مهما كان ولو كان صغيرا لا يعقل، ولم يتعرض لما بين الوقتين لندرة الدخول حينئذ، ويمكنك أيها المسلم أن تفهم الإشارة استحباب تعجيل النوم عقب صلاة العشاء والتبكير باليقظة قبل صلاة الفجر، فذلك أعون على انتظام الصحة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبلها والحديث بعدها – الله أكبر ومما عمت به البلوى حال كثير من الناس اليوم السهر الطويل، وربما كان على معصية بمشاهدة ما يسخط الله، حتى انقلب الليل نهارًا والنهار ليلًا عند بعض الناس، فضيعوا صلاة الفجر، وربما ضيعوا أعمالهم ومسؤلياتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

الوقت الثالث: حين تضعون ثيابكم من الظهيرة، وليس محدودًا كأخويه، إذ القيلولة قد يتعجلها إنسان، ويتأخر بها آخر، فلذلك قال (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ) هي ثلاث عورات لكم، وهذا تعليل للحكم، وبيان لحكمة التشريع والعورات كل ما يكره الإنسان أن يطلع عليه هي ثلاثة أوقات يختل فيها تستركم، العورات فيها بادية، والتكشف فيها غالب، أما في غير هذه الأوقات فلا حرج ولا جناح عليكم، فإن الإنسان في بيته حيث لم يكن في حجرته الخاصة لا يسؤوه أن يراه أحد من خدمه وأولاده مثلًا بلا استئذان على أن من في البيت يطوفون عليكم بعضكم على بعض، فلو استأذنوا لشثق عليهم ذلك. 

كذلك يبين الله لكم آياته الكاملة، والله عليم بخلقه حكيم في حكمه، يضع الأمور في نصابها. 

أما الآية الثانية في هذا النداء وهي قوله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) أي سن الاحتلام وهي في الذكور تجاوز الخامسة عشر من العمر، أو إنبات الشعر، شعر العانة أو الاحتلام، بأن يفرز الغلام المني في نومه لرؤية يراها. وأما البنت: فبالحيض، وإنبات شعر العانة أو بلوغ الخامسة عشرة من عمرها، والغالب أن البنت تبلغ سن الاحتلام في الثانية عشرة فما فوق، كما أن الذكر قد يتأخر بلوغه إلى الثامنة عشرة من عمره، فإذا بلغ الأطفال سن الاحتلام وجب عليهم أن يستأذنوا عند الدخول إلى بيت غير بيتهم بأن يقول أحدهم إذا أراد الدخول على بيت أحد: "السلام عليكم أأدخل" ثلاث مرات كما جاء ذلك في نداء الاستئذان قبل هذا النداء من هذه السورة (النور) لذا قال تعالى: (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) وهم الرجال مثل آبائهم وإخوانهم وأعمامهم. وقوله تعالى في ختام هذه الآية: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ) أي لهذا التبيين الذي بينه في آداب الدخول يبين لكم آياته الحاملة للشرائع والأحكام من أجل طهارتكم وأمنكم وسعادتكم. (وَاللهُ عَلِيمٌ) أي بخلقه وما يصلح لهم (حَكِيمٌ) في شرعه، وهذه حال توجب طاعته تعالى فيما يشرع فعلا أو تركا. 

  *  ما يستفاد من الآيات:

1- وجوب تعليم الآباء أبناءهم وخدمهم الاستئذان في الأوقات الثلاثة، المعبر عنها بالعورات؛ لأنها من مظنة انكشاف العورات. 

2- وجوب استئذان الأولاد إذا بلغوا الحلم عند الدخول إلى غير بيوتهم، لأنهم أصبحوا رجالًا مكلفين. 

3- سن الاحتلام في الذكور تجاوز الخامسة عشرة من العمر – أو إنبات شعر العانة، أو الاحتلام بأن يفرز الغلام المني في نومه لرؤية يراها – و أما البنات فبالحيض، وإنبات شعر العانة أو بلوغ الخامسة عشرة من عمرها، والغالب أن البنت تبلغ سن الاحتلام في 12 فما فوق – كما أن الذكر قد يتأخر بلوغه إلى 18. 

4- الأمر بحفظ العورات والاحتياط لذلك من كل وجه، وأن المحل والمكان الذي هو مظنة لرؤية عورة الإنسان فيه أنه منهي عن الاغتسال فيه والاستنجاء ونحوه. 

5- جواز كشف العورة لحاجة كالحاجة عند النوم والبول والغائط. 

6- ومنها أن الصغير الذي دون البلوغ لا يجوز أن يمكن من رؤية العورة، ولا يجوز أن ترى عورته؛ لأن الله لم يأمرهم باستئذانهم إلا عن أمر لا يجوز. 

7- ومنها أنه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهما ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي أن يقرن بالحكم بيان ماأخذه ووجهه، ولا يلقيه مجردًا عن الدليل والتعليم؛ لأن الله لما بين الحكم المذكور علله بقوله ( ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ)