نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الأول (في أدب الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم​)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الأول (في أدب الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم​)
799 2

الوصف

النداء الأول:

في أدب الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (البقرة:104)

موضوع الآية:
في أدب الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم

معنى الكلمات:

"رَاعِنَا" : من المراعاة، وهي العناية بالشيء والمحافظة عليه، أي راع أحوالنا فيقصدون بها معنى صحيحا- وكان اليهود يقصدون بها معنى فاسدا من الرعونة، وهي الجهل والحمق.

"انْظُرْنَا" : أمهلنا حتى نفهم ما تقول ونحفظ، وتأن علينا.

"وَلِلْكَافِرِينَ" : الجاحدين المكذبين لله ورسوله.

"أَلِيمٌ" : مؤلم وموجع.

مناسبة الآية لما قبلها:

لما ذكر تعالى فضائح اليهود وما اختصوا به من ضروب السحر والشعوذة أعقبه ببيان نوع آخر من ضروب خبثهم وشرهم وهو ما يضمرونه للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من الحسد والحقد والبغضاء وتمني زوال النعمة، وما كانوا يقولونه من كلمات السب والشتيمة، يتظاهرون بأنهم يريدون بها الخير والتكريم، كقولهم: راعنا. يقصدون بها الرعونة، التي هي الجهل والحمق، فنهى الله المؤمنين عن أمثال هذه الكلمة سدا للذريعة بقوله سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا"

بين يدي الآية

هذا نداء الله تعالى لعباده المؤمنين، ناداهم بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمن حي بإيمانه، يسمع ويعقل ويقدر على الفعل والترك بخلاف الكافر، فإنه لا يسمع ولا يعقل ولا يفعل إن أمر، ولا يترك إن نهي، واعلم أيها القارئ لهذا النداء أن الله تعالى إذا نادى عباده المؤمنين إنما يناديهم ليأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم، أو لينهاهم عما فيه شقاؤهم ونقصانهم، أو ليبشرهم، أو ينذرهم، أو ليعلمهم ما ينفعهم، ولنستمع إلى عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)، وقد قال له رجل: اعهد إلي يا عبد الله، فقال له: إذا سمعت الله يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" فأعرها سمعك فإنه خير يُؤمر به أو شر ينهى عنه.

المعنى الإجمالي:

نادى الله تعالى عباده المؤمنين في هذه الآية لينهاهم عن كلمة راعنا، ويرشدهم إلى كلمة انظرنا، وذلك لأن المنافقين من اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَاعنًا" وهي في لغتهم العبرية بمعنى الاستهزاء والسخرية، فكانوا بذلك يستهزئون بالرسول صلى الله عليه وسلم ويسخرون منه، والاستهزاء بالرسول والسخرية منه كفر، فنهى الله تعالى المؤمنين أن يقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم إذا جلسوا إليه يتعلمون الكتاب والحكمة: راعنا وليقولوا بدلها وهي في العربية بمعناها: انظرنا بمعنى أمهلنا، ولا تعجل علينا حتى نحفظ أو نفهم ما تقول لنا، وأمرهم بالإصغاء والسماع عند تلقي العلم والمعرفة والتأدب في ذلك، وأعلمهم أن للكافرين وهم المستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم والساخرون منه من اليهود وغيرهم عذابا أليما أي شديدا موجعا، وقد ينالهم في الدنيا قبل الآخرة، 

وفي هذه الآية الكريمة بيان وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحرمة الإساءة إليه بقول أو عمل هذا مع الجهل وعدم العلم، أما مع العلم بأن اللفظة أو الحركة فيها إساءة أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك هو الكفر بعينه، والعياذ بالله تعالى، وكما أن إساءة الأدب مع رسول الله محرمة وقد تكون كفرا مع التعمد والقصد، فإن إساءة الأدب مع المربي والمعلم والمرشد والأمير محرمة أيضا، كما أن عيب المؤمن أو احتقاره أو الهزء به والسخرية منه محرمة وفاعلها فاسق إن لم يتم من ذلك، 

ولنقرأ قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" ألا فلنحذر إساءة الأدب مع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإذا ذكر الله تعالى أو تلي كتابه يجب أن نصغي، ونخشع، ولا نرفع أصواتنا، أو نضحك، وإذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حديثه يجب أن نصغي ويظهر علينا إجلاله واحترامه وحبه وتقديره، وهذه ثمرة هذا النداء الإلهي الذي أكرمنا الله تعالى بحفظه وفهم معناه. فلنجتنيها ولننتفع بها، ولنحمد الله تعالى عليها ونشكره، وهو أهل الحمد والشكر والثناء.

ما يستفاد من هذه الآية:

1- إنه ينبغي استعمال الأدب في الألفاظ مع النبي صلى الله عليه وسلم،وهذا الأمر ينطبق على النبي في حياته وبعد مماته، وكذا من حذا حذوه: كَالْمُرَبِّي الرَّبَّانِي والمعلم، يعني أن يتجنب الألفاظ التي توهم سَّبًا وشَتْمًا، لقوله تعالى: "لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا"

2- إن مراعاة الأخلاق الفاضلة من الإيمان.

3- إن الإيمان مقتض لكل الأخلاق الفاضلة؛ لأن مراعاة الأدب في اللفظ من الأخلاق الفاضلة.

4- إنه ينبغي لمن نهى عن شيء أن يدل الناس على بدله المباح، فلا ينهاهم ويجعلهم في حيرة.

5- وجوب الإنقياد لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لقوله: "وَاسْمَعُوا"

6- التحذير من مخالفة أمر الله، وأنها من أعمال الكافرين، لقوله سبحانه: "وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ"

7- إن عيب المؤمن أو احتقاره أو الهزء به والسخرية من محرمة، وفاعلها فاسق إن لم يتب من ذلك، لقوله سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الحجرات:11).