موسوعةالأخلاق الإسلامية-مقدمات وأسس عامة

موسوعةالأخلاق الإسلامية-مقدمات وأسس عامة
478 0

الوصف

موسوعةالأخلاق الإسلامية

مقدمات وأسس عامة

الباب الأول: مقدمات وأسس عامة >> الفصل الثاني >>

2- تقسيم ما جاءت به الشريعة الإسلامية من وصايا وأحكام إلى كليات عامة

الإسلام وحدة كلية متشابكة مترابطة لا انفصال بين أجزائها وعناصرها في الواقع، ولكن باستطاعتنا من الناحية النظرية الفكرية التعليمية، أن نقسم ما جاء فيه إلى فئات تتجمع كل فئة منها تحت كلية من الكليات، وتتميز الأخلاق بواحدة منها.

عنوان العبادة يشمل كل أوامر الشريعة ونواهيها:

حين نلاحظ أن الشريعة الإسلامية تنزيل من عند خالق العباد، وأن لله على عباده حق الطاعة، وهو حق طبيعي عقلي بدهي؛ لأن من له الخلق، ومنه العطاء، وبيده المنع، وهو على كل شيء قدير، فمن الطبيعي العقلي البدهي أن يكون من حقه على عباده أن يعترفوا له بالربوبية وبالألوهية، ويدينوا له بالطاعة، وهذا ما أشار إليه قول الله تعالى في سورة (الأعراف 7):

(أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)).

فالتزام حدود الشريعة في أوامرها ونواهيها بهذا المعنى العام هو عبادة لله تعالى، ولذلك قال الله تعالى في سورة (الذاريات 51):

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56))

ولكن نقول مع ذلك: إن من أحكام الشريعة الإسلامية تكاليف غايتها عبادة محضة لله تعالى، ومنها تكاليف غايتها تحقيق مصالح العباد وجلب الخير لهم في الحياة الدنيا، إضافة إلى الخير العظيم الذي يظفرون به يوم القيامة بسبب طاعتهم لربهم فيها. ومصالح العباد: منها مصالح للأفراد، ومنها مصالح للجماعة. ومصالح الأفراد هي حقوق شخصية، أي: إن على الإنسان لنفسه حقوقًا يجب عليه تأديتها أو يحسن، حتى يجلب السعادة لنفسه، ويدفع عنها الآلام والمتاعب والشقاء، وهذه الحقوق الشخصية هي حقوق لله على عبده الذي وهبه الوجود والحياة والإرادة والعقل وسائر الخصائص الإنسانية، فهي في الأصل ملك لله، وذوات السلطة في داخل الإنسان مولاة بالتولية الربانية على مملكة ذاته. ومصالح الجماعة هي حقوق جماعية منحها الله في أصل الخلق للجماعة، وعلى الأفراد أن يرعوها حق رعايتها ولا يفرطوا فيها، وذلك ضمن خطة توفيقية عادلة بينها وبين سائر الحقوق، حتى لا يطغى بعض هذه الحقوق على بعض، وهذه الحقوق الجماعية هي أيضًا بالمعنى العام حقوق لله على عباده.

تقسيم أولي إجمالي:

فنستطيع بتقسيم أولي إجمالي أن نقسم أحكام الشريعة الإسلامية وتكاليفها إلى ثلاثة أقسام:

الأول:
حقوق إلهية محضة.

الثاني:
حقوق شخصية.

الثالث:
حقوق جماعية.

ونمثل للحقوق الإلهية المحضة بما يجب علينا من الإيمان بالله، والخضوع لجلاله، وعبادته على ما يرضيه، وطاعته في أوامره ونواهيه.

ونمثل للحقوق الشخصية بحقوق التملك، وبحقوق التصرف ضمن حدود الخير، وبحقوق إدارة مملكة النفس وفق مصالحها العاجلة والآجلة، وبالحقوق التي توجب على الإنسان أن يعمل لنفسه ما يكسب به السعادة الخالدة لها.

ونمثل للحقوق الجماعية بحقوق التعاون، وحقوق الدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحقوق العدل وإقامة السلطان الصالح العادل، وحقوق ضبط المعاملات، وحقوق إيجاد وسائل ضمان الأمن والاستقرار والنظام، ويدخل في الحقوق الجماعية حق الزكاة والصدقة، وحق الجهاد في سبيل الله.

تقسيم تفصيلي:

ونستطيع بشكل تفصيلي أن نقسم أحكام الشريعة الإسلامية وتكاليفها إلى ثمانية أقسام:

القسم الأول:
أحكام اعتقادية، وهي ما كانت الغاية منها ابتلاء إرادة الإنسان في أمور علمية اعتقادية، يرافقها اعتراف وتسليم.

القسم الثاني:
أحكام تعبدية، وهي ما كانت الغاية منها ابتلاء إرادة الإنسان في مجال العبادة المحضة.

القسم الثالث:
أحكام المعاملات المالية، وهي ما كانت الغاية منها ابتلاء إرادة الإنسان في مجال المعاملات المالية.

القسم الرابع:
أحكام العلاقات الاجتماعية، وهي ما كانت الغاية منها تنظيم العلاقات الاجتماعية، وابتلاء إرادة الإنسان في هذا المجال، كأحكام العلاقة بين أركان الأسرة وأحكام العلاقة بين الراعي والرعية، ونحو ذلك.

القسم الخامس:
أحكام الأحوال الشخصية، وهي ما كانت الغاية منها تنظيم الأحوال الشخصية للإنسان، وابتلاء إرادته في هذا المجال، ويدخل في أحكام الأحوال الشخصية أحكام الزواج والطلاق ونحو ذلك، وأحكام الزنى ونحوه، وأحكام المطاعم والمشارب، وأشباه ذلك.

القسم السادس:
أحكام تنظيم العقود، وهي ما كانت الغاية منها ضبط العقود التي تجري بين الناس على اختلافها، ولهذه صفة التنظيمات الشكلية التي تضمن بها الحقوق.

القسم السابع:
أحكام الأخلاق، وهي ما كانت الغاية منها ابتلاء إرادة الإنسان في مجال الأخلاق.

القسم الثامن:
أحكام الآداب، وهي ما كانت الغاية منها تهذيب السلوك الإنساني في مجال الآداب الشخصية والاجتماعية، ودوافعها ذوقية جمالية.

وعلى الرغم من هذا التقسيم النظري، فإننا نلاحظ كثيرًا من التداخل والتشابك فيما بين الأقسام، وهي كما سبق يمكن إدراجها جميعًا تحت عنوان العبادة.

ارتباط معظم أحكام الشريعة الإسلامية بالأخلاق:

أما الأخلاق فإن معظم أحكام هذه الأقسام يمكن إدراجها تحت عنوانها، ولو باعتبار من الاعتبارات؛ لأن دوافعها قد ترجع من قريب أو من بعيد إلى دوافع الأسس الأخلاقية:

1- فلنأخذ قسم الأحكام الاعتقادية باحثين عن وجه ارتباطه بالأسس الأخلاقية.

إن العقائد الإسلامية هي في حقيقة ذاتها حقائق علمية، وهذه الحقائق العلمية منها ما هو متصل بوجود الخالق وبصفاته، ومنها ما هو متصل بالرسل والأنبياء الذين اصطفاهم الله بالوحي إليهم، ومنها ما هو متصل بالكتب الإلهية التي أنزلها الله ليبين فيها لعباده طريق سعادتهم ونجاتهم، ومنها ما هو متصل بحقائق من المغيبات أخبر الله عنها.

والإذعان للحقائق العلمية فضيلة خلقية يدفع إليها أحد الأسس الأخلاقية الجذرية، ألا وهو حب الحق وإيثاره، لا سيما إذا كانت الحقائق العلمية متصلة بصاحب حق فيها، وجحود الحقائق العلمية وإنكارها رذيلة خلقية يدفع إليها كراهية الحق، تحت تأثير دافع من دوافع النفس الجانحة المستكبرة.

فمن يتمتع بخلق حب الحق وإيثاره، فإن خلقه هذا يدفعه إلى الإذعان للحق، والاعتراف لصاحب الحق بحقه، ولذي الفضيلة والميزة بفضيلته وميزته. أما المحروم من هذا الخلق الكريم، الواقع تحت تأثير جنوح خلقي قبيح، كالاستكبار من غير حق والعجب بالنفس بالباطل، فإنه لا يذعن للحق، ولا يعترف لصاحب الحق بحقه، ولا لذي الفضيلة والميزة بفضيلته وميزته.

ومن هذا يتضح لنا أن العقائد الباطلة الشائعة عند كثير من الناس، خرافات تدفع الأسس الأخلاقية إلى نبذها وبيان بطلانها، خدمة للحق وإعلاء له، وتعريفًا بالباطل وإزهاقًا له.

2- ولنأخذ قسم الأحكام التعبدية باحثين عن وجه ارتباطه بالأسس الأخلاقية.

إن العبادة في الشريعة الإسلامية لا تكون إلا لله تبارك وتعالى، وموجب العبادة لله طاعة أمره، وشكره على نعمه بإعلان الخضوع له، والتقرب إليه، والتحبب إلى جلاله.

أما طاعة من تجب طاعته، فهي ظاهرة خلقية، يدفع إليها أساس أولي من الأسس الأخلاقية، وهو حب الحق وإيثاره؛ لأن من تجب طاعته فحقه أن يطاع، ومن يتمتع بخلق حب الحق وإيثاره فإن خلقه هذا يدفعه إلى تأدية هذا الحق لمستحقه، فهو إذن يؤدي حق الطاعة لمستحقها، فيعبد الله تبارك وتعالى حسب أمره، وعلى ما يرضيه.

وأما شكر المنعم على نعمه، فهو أيضًا ظاهرة خلقية يدفع إليها حب الحق وإيثاره؛ لأن المنعم من حقه أن يشكر، ومن يتمتع بخلق حب الحق فلا بد أن يدفعه خلقه هذا إلى شكر من أنعم عليه.

فالذين يستنكفون عن عبادة الله تعالى محرومون من فضيلة خلقية عظيمة، ولذلك نبه القرآن على أن الاستنكاف عن عبادة الله تعالى استكبار موجب للعذاب الأليم، فقال الله تعالى في سورة (النساء 4):

(لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا للهِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (173)).

ومن أجل ذلك وصف الله الملائكة بأنهم لا يستكبرون عن عبادته، فقال تبارك وتعالى في سورة (الأعراف 7):

(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206))

3- ولنأخذ قسم أحكام المعاملات المالية، باحثين عن وجه ارتباطه بالأسس الأخلاقية.

إن المعاملات المالية قائمة على أساس الحق والعدل، ومعلوم أن حب الحق أحد الأسس الأخلاقية العامة، فمن كان يتمتع بخلق حب الحق فإنه لا بد أن يجد نفسه مدفوعًا بعامل خلقي للالتزام بأحكام المعاملات المالية التي جاء بها الإسلام؛ لأنها قائمة على الحق والعدل، والعدل يرجع في حقيقته إلى مبدأ الحق، فأحكام المعاملات المالية التي تفرضها تنظيمات الشريعة الإسلامية تستوجب الالتزام بها أسس الأخلاق العامة.

لا سيما إذا لاحظنا أن في تجاوز حدودهما ظلمًا لحقوق الآخرين، والظلم انحراف خلقي أساسه كراهية الحق عند معارضته هوىً من أهواء النفس.

4- ولنأخذ قسم أحكام العلاقات الاجتماعية، باحثين عن وجه ارتباطه بالأسس الأخلاقية.

إن الأصل في المعاملات الاجتماعية أن تكون ذات ارتباط وثيق بأسس الأخلاق.

فإذا أخذنا من المعاملات الاجتماعية أحكام نظام الأسرة وحقوق أفرادها، وواجباتهم، فإننا نلاحظ أنها قائمة على مبدأ التعاون بين أفرادها، وتوزيع المسؤوليات وفق مصالح الجماعة التي تتوزع بالتالي على الأفراد