موسوعةالأخلاق الإسلامية _مدارك الأخلاق وأسسها

موسوعةالأخلاق الإسلامية _مدارك الأخلاق وأسسها
439 0

الوصف

موسوعة الأخلاق الإسلامية
مدارك الأخلاق وأسسها

لدى التحليل يتبين لنا أن مدارك الأخلاق فكرية علمية، وفطرية وجدانية، وإيمانية تدعو إلى الأخذ بها القاعدة الإيمانية في الإسلام، لكل ذلك فهي ربانية؛ لأن الله تبارك وتعالى هو الذي منح العقول موازين إدراكاتها، وأودع في الفطر الوجدانية أحاسيسها ومشاعرها، وهو الذي أنزل على رسله قواعد الإيمان وأحكام التشريع.

أما كونها فكرية علمية: فلأن مكارم الأخلاق يؤيدها الفكر العلمي ويستحسنها، ويحث عليها، ويوجب ما يوجب منها. ولأن رذائل الأخلاق يؤيد العقل اجتنابها، ويستقبحها، ويحث على البعد عنها، ويحرم ما يحرم منها.

وأما كونها فطرية وجدانية: فلأن في فطر الناس الوجدانية ميلًا إلى مكارم الأخلاق، ورغبة داخلية بالتزامها وممارسة كل سلوك تدفع إليه، ولأن في فطر الناس الوجدانية نفورًا واشمئزازًا من رذائل الأخلاق، ورغبة داخلية باجتنابها واجتناب كل سلوك هو من آثارها.

وأما كونها إيمانية: فلأن القاعدة الإيمانية في الإسلام تلزم بطاعة الله في أوامره ونواهيه، وترغب بالعمل بوصاياه. وقد اشتملت أوامر الله ونواهيه ووصاياه على التوجيه للعمل بمكارم الأخلاق واجتناب رذائلها، وقرنت ذلك بالوعد بالثواب لمن أطاع، والوعيد بالعقاب لمن عصى.

على أنه يوجد تشابك جذري بين أسس الأخلاق وأسس الإيمان.

فالفضيلة الخلقية التي يدركها الفكر العلمي ويستحسنها، وتميل الفطر الوجدانية السليمة إلى ممارستها، توجب الاعتراف بعناصر القاعدة الإيمانية في الإسلام، وتوجب الإذعان لها والعمل بما تقتضيه، وتنفر وتشمئز من الجحود والاستكبار والتمرد، وذلك لأن عناصر القاعدة الإيمانية عناصر حق كبرى، والفضيلة الخلقية توجب الإيمان بالحق والإذعان له والعمل بمقتضاه، وتنفر وتشمئز من جحود الحق، والاستكبار عليه، والتمرد على العمل بما يقتضيه.

وكذلك عناصر القاعدة الإيمانية في الإسلام، فهي تدفع المؤمنين بها إلى أن يتحلوا بالفضائل الخلقية، وأن يتخلوا عن الرذائل الخلقية، وأن يلتزموا في حياتهم كل سلوك خلقي تدعو إليه مكارم الأخلاق، وتعد على ذلك بالظفر برضوان الله واغتنام الأجر العظيم عنده، وتحذر من مغبة ممارسة الرذائل الخلقية المحظورة، وممارسة ظواهرها في السلوك، وتنذر بسخط الله وبالعقاب الأليم عنده. ولذلك جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الحياء شعبة من الإيمان وهو من مكارم الأخلاق، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان

.

وهكذا فالإيمان بالإسلام سلوك إرادي توجبه فضائل الأخلاق التي تدركها الأفكار العلمية وتستحسنها، كما تستقبح أضدادها، وتميل الفطر الوجدانية السليمة إلى ممارستها، وتنفر وتشمئز من أضدادها.

وفضائل الأخلاق وما تقتضيه من سلوك أمور يوجبها أو يرغب بها الإيمان بالإسلام ويحث عليها.

ولذلك جاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم:

أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم

رواه الترمذي عن أبي هريرة وقال: حديث حسن صحيح.

فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يبين الترابط بين الإيمان وحسن الخلق.

وحين نتدبر في حقيقة الإيمان نجده يستلزم في درجاته المرتقية كل الفضائل الإنسانية؛ لأن الله الذي هو الحقيقة الكبرى التي ترتبط بها جميع أركان الإيمان وفروعه، يأمر بكل الفضائل، ومنها الفضائل الخلقية، وينهى عن كل الرذائل، ومن ضمنها الرذائل الخلقية، والمؤمن يجد نفسه ملزمًا باتباع ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه، وللإيمان من التأثير على الإنسان ما ليس لأية قوة أخرى داخلة في النفس أو خارجة عنها.

ومن شواهد هذه الحقيقة قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع عيينة بن حصن.

روى البخاري عن ابن عباس قال: "قدم عيينة بن حصن، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان الحر بن قيس من النفر الذين يدنيهم عمر في خلافته رضي الله عنه، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته –كهولًا كانوا أو شبانًا- فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، فاستأذن له، فأذن له عمر، فلما دخل عيينة قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل. فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:

(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وإن هذا من الجاهلين.

قال ابن عباس: والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافًا عند كتاب الله تعالى"!!.

هذا هو أثر الإيمان في قلب عمر، وهذا هو أثر التزامه أوامر الله. ولولا الإيمان في قلب عمر، لبطش بعيينة على وقاحته وافترائه.

وهكذا ظهر لنا بالتحليل وجود التشابك الجذري بين الأخلاق والقاعدة الإيمانية في الإسلام، وعليه نستطيع أن نقول:

إن أسس الأخلاق هي أسس فكرية علمية، وفطرية وجدانية، وإيمانية، كما أن أسس القاعدة الإيمانية في الإسلام هي أسس فكرية علمية، وفطرية وجدانية، وأخلاقية.