موسوعةالأخلاق الإسلامية-قوة الإرادة(ضابط قوة الإرادة)
الوصف
قوة الإرادة
ضابط قوة الإرادة
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثالث: قوة الإرادة >>
2- ضابط قوة الإرادة
إنما تكون الإرادة القوية خلقًا محمودًا إذا كانت مقرونة بالعلم والعقل والحكمة في التصرف، وإلا كانت سلاحًا خطيرًا ضارًا.
فحين تكون الإرادة قوية ومقرونة بالعلم والعقل الدراك، تكون تصرفاتها الشخصية والاجتماعية تصرفات حكيمة نافعة.
وحين تكون الإرادة ضعيفة، أو غير مقرونة بالعلم والعقل الدراك، فإن تصرفاتها الشخصية والاجتماعية تكون في الغالب تصرفات غير حكيمة وغير نافعة.
إن الإرادة القوية التي لا تكون مقرونة بالعلم والعقل، تكون مصيبة على صاحبها، ومصيبة على كل من يرتبط به أو يخضع له طائعًا أو مكرهًا. إن هذه الإرادة قد تدفع إلى التهلكة وأنواع المصائب، وقد تحمل صاحبها ومن يرتبط به أو يخضع له من التكاليف والمشاق ما لا طاقة لهم به، وقد تدفع بهم إلى المآزق الكبرى الجسدية والنفسية، وترمي بهم في المخاطر.
إن من الناس من يتمتعون بإرادة قوية جدًّا، إلا أنهم حمقى، لا يتحلون بعقل حصيف يعقلهم، ويضبط تصرفاتهم بضوابط الحكمة. وهؤلاء نكبة على أنفسهم وعلى مجتمعهم، فإذا اتجه أحدهم للضغط على نفسه عن طريق العبادة مثلًا أهلكها وأشقاها في غير ما شرع الله لعباده، زاعمًا أن ما يفعله ويشقى به هو من فضائل السلوك التي تقربه إلى الله تعالى، مع أن الله غني عن تعذيبه نفسه وجسده، وقد أمر في شريعته باليسر ولم يأمر بالعسر. وإذا قاد أحدهم عصابة وانقادوا له أهلكهم مشقة وإعناتًا؛ لأنه بقوة إرادته يحزم عليهم، ويعطيهم مثلًا عمليًّا بقهر النفس والتغلب عليها، ولكنه بجهله وحماقته ونقص عقله يوردهم موارد التهلكة، وضعف الإرادة في مثل هذه الحالة أهون شرًا وأخف ضرًا.
كم من مرب قوي الإرادة غير عاقل، يفسد من يشرف على تربيتهم بتصرفاته غير الحكيمة.
وكم من إداري قوي الإرادة غير عاقل، هو فاشل في إدارته مفسد لها، يديرها بالضغط والكراهية، والعنت والمشقة ثم تكون قوة إرادته وبالًا عليه، بعد أن تجر أنواعًا من المصائب عليه وعلى غيره.
وكم من تاجر قوي الإرادة غير عاقل، يغامر بقوة إرادته مغامرات تسرع به إلى حضيض الإفلاس.
وكم من طالب علم نهم لتحصيل المعارف، تجني عليه إرادته القوية غير العاقلة، حتى تخرب طاقاته الفكرية والجسدية؛ لأنه بقوة إرادته يبذل كل ما لديه من طاقات معدة للبذل وطاقات احتياطية، حتى يفرغ آخر نقطة في وعائه، وعندئذٍ يرمي نفسه في العجز والضعف، ويلقي نفسه بيده إلى التهلكة، وتنبيهًا على ضرورة الأخذ بالعقل والحكمة في هذا المجال، جاء في كلام العرب: "إن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى" وهو مطرف كما جاء في "لسان العرب" لابن منظور.
المنبت: هو الذي يحث دابته حثًا شديدًا، حتى تعطي كل ما لديها من قوة على الجري، وبذلك تهلك وتنقطع في بعض الطريق، فيكون صاحبها منبتًا، أي: منقطعًا في طريقه، فلا هو قطع الأرض التي يريد اجتيازها، ولا هو أبقى دابته التي يعلو ظهرها.
فقوة الإرادة وحدها من غير عقل يضبط تصرفاتها ضمن حدود الحكمة، سلاحٌ خطير قد يكون وبالًا، وسببًا من أسباب الفشل والهلاك. أما إذا اقترنت بالعقل والحكمة في التصرف فإنها عندئذ تكون أساسًا خلقيًّا عظيمًا، ينجم عنه فضائل خلقية جليلة.
وضعف الإرادة عند الإنسان مرض خلقي قبيح، ينجم عنه رذائل كثيرة في الأخلاق، وفي كثير من أنواع السلوك، لا سيما إذا قويت عند الإنسان ضعيف الإرادة شهواته وأهواؤه النفسية، ونزغاته الجانحة، أو استولى على مشاعره جانح مجرم خبيث قوي الإرادة، فإنه حينئذ يسخره في أعمال الشر مستحوذًا عليه، ويدفع به إلى الموبقات ورذائل الأخلاق والأفعال، وقبائح السلوك، وقد يدفع به إلى ارتكاب الجرائم الكبرى.