موسوعةالأخلاق الإسلامية-علاج داء الحسد(علاج داء الحسد)
الوصف
علاج داء الحسد
علاج داء الحسد
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 9- بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته >>
علاج داء الحسد:
1- على الحاسد أن يساهم هو نفسه في معالجة دائه، وتبدأ عملية العلاج الصحيح بأن يصحح الإنسان مفاهيمه بالقناعات الكافية المتصلة بقواعد الإيمان وأسسه الفكرية، فمتى استقامت في داخل النفس الإنسانية المفاهيم الإيمانية الكبرى، وهمينت فيه على مراكز الشعور ومرابض الوجدان ومواطن العواطف، استقام اتجاه سفينته النفسية في خضم بحر الأهواء والشهوات والمطامع والدوافع والانفعالات.
ويتم تصحيح هذه المفاهيم بتربية الإيمان بالله تعالى وبصفاته العلية، وبحسن الفهم عن الله والتبصر بعظيم حكمته جل وعلا، في عطائه ومنعه، وخفضه ورفعه، وإعزازه وإذلاله، وفي كل ما تجري به مقاديره. وبالتبصير بأن حكمة الله العظيمة لا تفارق قضاءه وقدره، وبالتبصر أيضًا بأن الأصل في النعم والمصائب في ظروف الحياة الدنيا أنها مجالات امتحان واختبار، وأن الحرمان قد يكون خيرًا للإنسان من العطاء، وأن المصيبة قد تكون خيرًا له من النعمة، بالنظر إلى عواقب كل منهما. وأن الله العليم الحكيم هو الذي يعلم ما هو خير لنا فيقدره لنا بفضله، وما أكثر ما نجهل وجه الخير لأنفسنا، وكثيرًا ما نكره ما هو لنا خيرٌ، وكثيرًا ما نحب ما هو لنا شر، والله يعلم حقائق الأمور، ونحن نغتر بظواهرها وزينتها.
ومتى صح الفهم عن الله على هذا الوجه اطمأن قلب الإنسان، وغشيته السكينة، تنزلت عليه الرحمة، وعرف أن الخير كل الخير مرتبط بما يقضيه الله له من مصيبة أو نعمة، وبما تجري به مقاديره.
وعندئذٍ يقطع نظره عن الناس، فلا ينظر إلى ما وهبهم الله من نعم وعطايا؛ لأنه استقام فهمه عن الله، فعلم أنها صور من صور الابتلاء، وليست صورًا من صور التكريم، ومتى انقطع نظره عن الناس لم تتهيج في نفسه عوامل الحسد.
2- ثم يأتي علاج التدريب العملي على كف البصر عما وهب الله الناس من نعم، وما فضلهم به من عطايا وهبات، وذلك بحصر التطلع الدائم إلى عظيم فضل الله، وبحور خزائنه التي لا تنفد. وقد أرشد القرآن إلى هذا العلاج بقول الله تعالى في سورة (النساء 4):
(وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)) .
وبقول الله جل وعلا يؤدب رسوله صلى الله عليه وسلم في سورة (الحجر 15):
(لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)) .
وبقوله له أيضًا في سورة (طه 2):
(وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)) .
أزواجًا منهم: أي أصنافًا منهم، وهم الأغنياء والكبراء وذوو المكانات الاجتماعية بين الناس، ونحوهم.
ففي هذه النصوص نهيٌ عن الحسد ومد الأعين، وتوجيه إلى سؤال الله من فضله.
3- ومع علاج التدريب العملي يأتي علاج التحويل والتصعيد، ويكون هذا العلاج بتعليق النفس بمجال تجارة أجل وأعظم من كل ما في الدنيا من نعم ومتع ولذات، ألا وهو مجال العمل للدار الآخرة، فمتى تعلقت النفس المؤمنة بهذا المجال أخذت سبيلها للسبق فيه، بالمجاهدة والكدح الدائب بصالح العمل، بغية نيل أعظم الدرجات في الآخرة، فهي درجات تنال بالكسب المفتوح لكل عامل على نسبة سواء. وهذا المجال لا مزاحمة فيه ولا معارضة، والسبق فيه يعتمد على ما في القلوب من تقوى وإخلاص لله في العمل، ولئن كانت الدنيا لا تتسع لأطماع الجميع فالآخرة تتسع لطمع كل طامع وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ .
4- وتوجد وسيلة وقائية يمكن أن تقي من الإصابة بداء الحسد، وهي وسيلة التربية منذ الطفولة على التخفيف من الشعور بالأنانية المفرطة، وذلك باتخاذ الوسائل التي تربي في الناشئ حب الآخرين، وعدم النظر إلى ما عندهم بطمع ورغبة بالاستيلاء، والتي تغذي فيه احترام حقوق الآخرين التي وهبهم الله إياها.
والأدب الإسلامي المطلوب حينما يرى الإنسان شيئًا لغيره فيستحسنه، أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وأن يدعو لصاحب النعمة بالبركة، فإذا لم يفعل وشعر بأن بصره قد كان له أثر سيئ فليتوضأ وفق الطريقة التي سبق بيانها في الحديث، وليصب الماء على من حسده من خلف، وليرم ما فضل على الأرض من وراء ظهره، فلعل ذلك أن يرفع الأذى عنه، كما ثبت في الصحيح:
وإذا استغسلتم فاغسلوا.