موسوعةالأخلاق الإسلامية-طائفة مما جاء في السنة من بيان خلقه صلوات الله عليه(طائفة مما جاء في السنة من بيان خلقه صلوات الله عليه)
الوصف
طائفة مما جاء في السنة من بيان خلقه صلوات الله عليه
طائفة مما جاء في السنة من بيان خلقه صلوات الله عليه
الباب الثالث: الرسول ذو الخلق العظيم وتربية القرآن له في مجال السلوك الخلقي >> الفصل الثاني: طائفة مما جاء في السنة من بيان خلقه صلوات الله عليه >>
طائفة مما جاء في السنة من بيان خلقه صلوات الله عليه
جاء في السنة وصف مستفيض لأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله، فمن أحصاها تمثله من خلالها كأنه قد صاحبه في حياته، وقد استشهدت بطائفة حسنة منها في فصول هذا الكتاب، كلما دعت المناسبة إلى ذلك، وحضرني منها شيء.
وفيما يلي طائفة مشروحة منها، ربما وردت في غير هذا الموضع من هذا الكتاب على سبيل شواهد وأمثلة استدعتها المناسبة:
1- روى البخاري ومسلم عن جابر، أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معهم، فأدركتهم القائلة في وادٍ كثير العضاه القائلة: وقت الظهيرة. والعضاه: الشجر الذي له شوك. ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة تحت سمرة: أي تحت شجرة كبيرة من هذه الأشجار. ، فعلق بها سيفه، ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي فقال:
إن هذا اخترط اخترط السيف: سله من غمده. علي سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده، صلتًا صلتًا: مجردًا جاهزًا للضرب به. ، قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله، ثلاثًا
ولم يعاقبه وجلس صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية قال جابر: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة، فاخترطه فقال: تخافني؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا
. فقال: فمن يمنعك مني؟ قال:
الله
.
وجاء في رواية أخرى: فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف، فقال للأعرابي:
من يمنعك مني؟
فقال: كن خير آخذ. فقال:
تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟
. قال: لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فأتى الرجل أصحابه فقال لهم: جئتكم من عند خير الناس!!.
من قصة هذا الحديث تظهر لنا شجاعة الرسول النادرة، فقد استل الرجل السيف على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نائم، وانتبه الرسول من نومه وفوجئ بمن يريد قتله والسيف مسلول في يده، ليس بينه وبين الهوي إلا عزمة الرجل، وقال له: هل تخافني؟
في هذه اللحظة المفاجئة الحرجة التي ينخلع منها في العادة قلب الشجاع البطل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
لا
. عندئذ يعجب الرجل من هذه الشجاعة النادرة، فيقول للرسول: فمن يمنعك مني؟
أي إن هذا الثبات لا يصدر إلا من قلب مطمئن بأنه ممنوع لا يصيبه سوء.
وببرد اليقين بالله يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
الله، الله، الله
. أي فالله هو القادر على أن يمنعني، ولن يصيبني من المكروه إلا ما قدره علي وقضاه، وإيمانًا مني بهذه الحقيقة لست أخافك؛ لأني أعلم أنك لا تستطيع أن تفعل شيئًا لم يقضه الله علي.
ومن وصل إلى هذا اليقين بالله لم يخش من أحدٍ سواه، وملك من الشجاعة ما لا يملكه غيره، وهذا ما يظفر به المؤمنون، وعلى مقدار الإيمان ترتفع نسبة الطمأنينة بالله والشجاعة ضد المخيفات المادية مهما كان شأنها.
ومن قصة هذا الحديث يظهر لنا حلم الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه لما سقط السيف من يد الرجل هيبة من شجاعة الرسول وأخذ الرسول السيف، لم يبادر صلوات الله عليه إلى الانتقام منه، ولكنه اكتفى أن يقول له:
من يمنعك مني؟
وهذا من حلمه وسعة صدره صلوات الله عليه.
فيقول الرجل: كن خير آخذ. فيظهر هنا خلق العفو في الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا يغفل الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظة الحرجة عن القيام بواجب الدعوة إلى الله، واستغلال الموقف لصالح الرسالة التي يحملها من ربه، فيقول للرجل:
تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟.
ولكن الهداية لم تدخل قلب الرجل، فيقول: لا. ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك.
ويعفو الرسول عن الرجل عند المقدرة على الانتقام منه، ويخلي سبيله، بعد أن يدعو أصحابه ويشهدهم على ما جرى بينه وبين الرجل، ليعطيهم درسًا عمليًّا في فضائل الأخلاق لا ينسونه أبدًا، يتعلمون فيه الشجاعة، والحلم، والعفو عند المقدرة.
ولقد ربح الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ولنفسه بهذه الأخلاق أكثر بكثير مما لو أسرع فانتقم من الرجل فقتله فشفى بقتله نفسه، وقد كان من حقه أن يفعل ذلك لأن خصمه صائل قاتل، ولكنه لم يفعل استجابة لنداء الفضيلة السامية، وبصرًا بمواقع الحكمة الرفيعة وعملًا بمقتضاها.
وظهر هذا الربح حينما ذهب الرجل إلى قومه فقال لهم: لقد جئتكم من عند خير الناس، وقص عليهم قصته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغرس بذلك في قلوبهم محبته وتعظيمه، ولا غرو أن يكون ذلك مقدمة لانفتاح قلوبهم إلى تصديقه في دعوته، وإيمانهم برسالته، ثم دخولهم ضمن جنده الحاملين لواء الإسلام، والداعين بدعوة الحق.
وهذا هو شأن مكارم الأخلاق، إنها تحقق لصاحبها من الربح ما لا يمكن أن يتحقق بشيء آخر، لا من جهة الكم ولا من جهة الكيف ولا من جهة النوع.
إن إنسانًا لا يمكن أن يظفر بمكانة رفيعة لمجد حقيقي عظيم، ما لم يكن لديه رصيد أخلاقي كريم، وعلى مقدار رصيده الأخلاقي يرتقي في مرتبة المجد الحقيقي، أما الأمجاد المزيفة فقد تأتي بها القوة، وقد يأتي بها المال، أو شيء آخر نحو ذلك، إلا أنها أمجادٌ أساسها في قلوب الناس النفاق والرياء والخوف والطمع.
2- وروى البخاري عن عقبة بن الحارث قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر، فسلم ثم قام مسرعًا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته، قال:
ذكرت شيئًا من تبرٍ عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته.
وفي رواية للبخاري أيضًا:
كنت خلفت في البيت تبرًا من الصدقة فكرهت أن أبيته.
التبر: قطع ذهب أو فضة.
من قصة هذا الحديث تظهر لنا أمانة الرسول العظيمة، فمن شدة حرصه صلى الله عليه وسلم على تأدية الأمانة إلى أهلها كره أن يبيتها عنده ليلةً واحدة، فأسرع هذا الإسراع؛ لأن التبر الذي كان عنده من أموال الصدقة.
وكشف الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر الذي دعاه إلى أن يخرج عقب صلاة العصر مسرعًا على الوجه الذي خرج عليه، ليعلم أصحابه والناس من بعده كيف يكون الحرص على تأدية الأمانة إلى أهلها، لا سيما الأموال العامة التي ليس لها مالك معين، وإنما يستحقها ذوو أوصاف معينة.
وكان خلق الجود وحب العطاء محرضًا مضافًا إلى خلق الأمانة، إذ كثير من الناس الذين يتولون إدارة أموال عامة قد يكونون أمناء عليها، ولكنهم لا يتمتعون في أنفسهم بخلق حب العطاء، فتكز نفوسهم عن دفع الأموال إلى مستحقيها، كأنهم يدفعونها صدقة مما يملكون، ولو التقى فيهم خلق حب العطاء إلى خلق الأمانة لأسرعوا إلى بذل الأموال إلى مستحقيها، وفق المصلحة، ولم تقف عقبة الشح في نفوسهم دون ذلك.
ويظهر لنا في هذا الحديث من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم عزمه وحزمه وجده في الأمور وهمته ومبادرته إلى فعل الخير دون تردد.
3- وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا.
أي ما يسد حاجة العيش فقط، فكانت تمر الأشهر وما يوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نارٌ على طعام، روى البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها كانت تقول لعروة: والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلةٍ في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار.
قال الزبير: قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟
قالت: الأسودان، التمر والماء. إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا.
المنائح: جمع منيحة، وهي حلوبٌ من النعم، شاةٌ، أو عنز، أو بقرة، أو نحو ذلك، تخصص لإهداء لبنها أو التصدق به، أو تعار لهذه الغاية وتبقى ملكيتها لأصحابها.
نعم لقد آثر الرسول صلى الله عليه وسلم الآخرة على الدنيا، مع أنه ربما أعطى من النعم ما يملأ واديًا بين جبلين.
ومما ورد في إيثار الرسول صلى الله عليه وسلم شظف العيش وخشونته، ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض.
وفي رواية عنها: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليالٍ تباعًا حتى قبض. وعن عبد الله بن مسعود قال: اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه، وقلت: يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها
. أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى مسلم عن النعمان بن بشير قال: لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه.
الدقل: رديء التمر.
4- وروى البخاري عن سهل بن سعد، أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة ببردة منسوجة: أي بكساء موشى له هُدب. ، فقالت: نسجتها بيدي لأكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فقال فلان: اكسنيها، ما أحسنها! فقال:
نعم
. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، ثم سألته وعلمت أنه