موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(7- التهادي وتبادل الهبات)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(7- التهادي وتبادل الهبات)
235 0

الوصف

                                                    حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية

                                                       7- التهادي وتبادل الهبات
         الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل السابع: حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية >>

8- التهادي وتبادل الهبات

ومن مظاهر خلق حب العطاء التهادي وتبادل الهبات بين الناس. وقد حث الإسلام المسلمين على أن تكون ظاهرة التهادي وتبادل الهبات إحدى الظواهر السلوكية التي يوجهون لها عنايتهم، مهما كانت قيمة الهدية أو الهبة قليلة وضئيلة؛ لأن من شأن هذه الظاهرة الكريمة توثيق روابط الصلة بين أفراد جماعة المسلمين، وتعميق جذور المودة والمحبة بينهم، وتوحيدهم في نظام الجسدية الواحدة، التي تتعاون أعضاؤها، وتتشارك أجزاء بنيانها في مسراتها وأحزانها، ولذاتها وآلامها.

ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يهدي ويقبل الهدية، وكان يهب ويقبل الهبة.

والفرق بين الهبة والهدية، أن الأصل في الهبة أن لا يلاحظ فيها معنى انتظار المكافأة، بخلاف الهدية فقد يلاحظ فيها هذا المعنى عرفًا أو عند بعض الناس، ولذلك جاء في أسماء الله الحسنى اسم الله (الوهاب)؛ لأن فيض عطاء الله سبحانه وتعالى لا يكون ابتغاء عوض في أي حالٍ من الأحوال.

ومن الخير في الهدية أن لا يلاحظ فيها أيضًا معنى العوض، وإلا كانت لونًا من ألوان المعاوضة، ومتى لوحظ فيها معنى العوض فسد معناها الإسلامي، وصار الناس يحاسب بعضهم بعضًا على مقدار ما يُهدي كل منهم أخاه، وعلى مقدار ما يأتيه من قبله من هدايا، فإذا أهدى شيئًا ذا قيمة عالية، وكوفئ عليها بهدية دونها في القيمة، وجه لأخيه انتقاده ولومه، ووصفه بالبخل وبقلة الوفاء.

وحين يصل التهادي بين الناس إلى هذا المستوى الشحيح فإنه يصبح معاوضة مادية بحتة في ثوب مكرمة خلقية، وهذا الثوب ثوب زور لا محالة.

فعطاء الهدية ينبغي أن يكون صلة مودة، لا مظهر رياء، ولا وسيلة تفاخر، ثم إن المودة التي ترجى منها لا تتحقق متى تحولت عن غرضها ومفهومها الإسلامي الصحيح. ومتى دخل عنصر التفاخر في الهدايا صار أغنياء الناس يحتقرون هدايا فقرائهم، وينظرون إليها بازدراء واستكبار.

ولذلك لما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التهادي بين المسلمين حذر من عوارض الانحراف، الذي يمكن أن ينحرف إليها مفهوم الهدية لدى التطبيق العملي.

روى الترمذي عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر، ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فرسن شاة.

وحر الصدر: الوحر بفتح الحاء يأتي بمعنى الحقد والغيظ والعداوة والغل، ونحو ذلك مما يكون في صدور بعض الناس على بعض.

فرسن الشاة: المراد منه ظلفها، وشقه نصفه، وهذا أحقر ما يمكن أن يطلب من الشاة عند الضرورة، ومع ذلك فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن احتقاره إذا أهدته جارة لجارتها.

بهذه المعاني الإسلامية تؤدي الهدية أهدافها المنشودة.

وضمن هذه المعاني الإسلامية قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي وصححه عن أنس:

لو دعيت إلى كراع أو ذراعٍ لأجبت، ولو أهدي إلي ذراعٌ أو كراعٌ لقبلت.

على أنه ينبغي للمسلم إذا قدمت له هدية أن يكافئ عليها بحسب استطاعته لا أن يكون آخذ هدايا فقط، وهو قادر على أن يكافئ بهدايا مماثلة، وإلا دل على طمعه وشحه.

أما من لا يستطيع أن يكافئ على الهدية فعليه أن يثني على من أهداه ويدعو له بأن يجزيه الله خيرًا، روى أبو داود والترمذي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من أعطي عطاءً فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور.

وروى الترمذي بإسناد جيد عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من صُنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء.

وثبت أن شكر صاحب الهدية أو صاحب العطية من شكر الله، روى الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من لم يشكر الناس لم يشكر الله.

ولما كان الأنصار من أكثر الناس عطاءً لإخوانهم المهاجرين، خاف المهاجرون أن يسبقوهم بالأجر، أو يذهبوا بالأجر كله، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وصححه عن أنس:

إلا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم.