موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(3- فوائد خلق حب العطاء وثمراته)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(3- فوائد خلق حب العطاء وثمراته)
223 0

الوصف

                                                    حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية

                                                   3- فوائد خلق حب العطاء وثمراته
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل السابع: حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية >>

3- فوائد خلق حب العطاء وثمراته

لخلق حب العطاء فوائد وثمرات فردية واجتماعية عظيمة، فمنها ما يلي بيانه:

(أ) إن اكتساب خلق حب العطاء يولد في الفرد شعورًا بأنه جزء من الجماعة، وليس فردًا منعزلًا عنهم إلا في حدود مصالحه ومسؤولياته الشخصية. فهو بهذا الشعور النبيل يجد نفسه مدفوعًا إلى مشاركتهم في عواطفهم مشاركة وجدانية ومشاركة مادية، فيفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويتألم عندما يتألمون، وينشرح صدره إذا وجدهم منشرحين، ويساهم معهم في الأعمال العامة، ويعين منهم ذا الحاجة بجسمه، أو جاهه، أو ماله، أو شفاعته في الحق، أو عواطفه ومشاعره وتعبيراتها.

ومتى كان هذا المعنى متبادلًا بين أفراد الجماعة استطاعت أن تمثل في واقعها معنى الجسدية الواحدة للجماعة، التي إذا اشتكى عضو منها تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كما جاء في الحديث الصحيح الذي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه:

مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

فأبرز الرسول صلوات الله عليه في هذه الجسدية الواحدة عنصرين:

العنصر الأول:
التواد، أي التحابب، وهذا العنصر بمثابة الروح التي تسري في الأجساد المادية، فتعقد الصلة التامة بين أعضاء الجسد السارية فيه، حتى يشعر كل عضو بأنه جزء لا يتجزأ من وحدة كلية.

العنصر الثاني:
التراحم، وهذا العنصر يبرز بالمشاركة الوجدانية والمادية في الآلام والمسرات، والأحزان والأفراح، وهذه المشاركة صورتها العطاء، وحقيقتها الانفعال العاطفي النبيل نحو الآخرين.

وإذا كان التواد بمثابة الروح التي تسري في الأجساد، فإن عنصر التراحم بمثابة الأغذية التي تمد الأجساد بشروط الحياة للمحافظة على بقاء الروح فيها.

(ب) ومن فوائد اكتساب خلق حب العطاء أنه يزكي الأنفس ويطهرها من رذائل الأنانية المقيتة، والأثرة القبيحة، والشح الذميم.

وبهذه التزكية يرتقي الإنسان في معارج الكمال، والعطاء من الكمال، ولذلك كان من صفات الله جل وعلا، وقد أفلح من زكى نفسه، قال الله تعالى في سورة (الشمس 91):

(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10))

أي: أفلح من طهر نفسه من أدناس الرذائل الخلقية والسلوكية، وخاب من غمسها في هذه الأدناس، ومن هذه الرذائل المدنسة للنفس الإنسانية الشح والأنانية المفرطة المقيتة. ولذلك سميت الزكاة بهذا الاسم، فهي مطهرة للنفوس من دنس الشح والبخل والأنانية المفرطة المقيتة، وهي أيضًا مطهرة للمال من الحقوق المتعلقة به للفقراء والمساكين، ولذلك قال الله لرسوله في سورة (التوبة 9):

(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103))

ولما في العطاء من تزكية للنفس، قال الله تعالى في سورة (الليل 92):

(فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21))

وهذه التزكية لا تكون إلا بمخالفة أهواء النفس وشهواتها، وقضية مخالفة أهواء النفوس يمكن أن تكون بتحويل ذكي فيه ارتقاء وشيء من المشقة عند الصعود، ولكن في هذا الارتقاء الشاق لذات لا يظفر بها متبعو أهواء نفوسهم، المنحدرون إلى أدناس الأخلاق وقبائح السلوك، مما يجدون فيه بعض متع زائلة منغصة بالأكدار والآلام.

(ج) ومن ثمرات خلق حب العطاء حل مشكلة حاجات ذوي الحاجات من أفراد المجتمع الواحد. فإبقاء هذه الحاجات من غير حل يعرض المجتمع إلى عواقب وخيمة، وويلات جسيمة، منها أن يتولد بين أفراده الحقد والحسد والبغضاء والشحناء والميل إلى العدوان والجريمة، والانطلاق الخطير في كل موبقة، وعندئذ يرتفع الأمن ويحل الخوف محله، ويكون الحصول على متع الحياة بالظلم والإثم، والحصول على ضرورات الحياة بالسلب والنهب، وتشيع في المجتمع فوضى الغاب، وتنحدر الحضارة إلى مستوى الظفر والناب، وعندئذ ينطلق من الشرور العجب العجاب.

ولكن متى شاع في المجتمع خلق حب العطاء الذي دفع إليه الإسلام، وجعله أساسًا من أسس المجتمع الإسلامي، لم يكن لهذه الشرور الخطيرة آثار تذكر وتخشى.

(د) وفي تربية النفوس على خلق حب العطاء، إقامة سد واقٍ يمنع الأنفس عن الجنوح الخطير في مجال حب التملك والأثرة، فإنه متى جنحت الأنفس هذا الجنوح الخطير كان حب التملك غاية بنفسه، وليس مجرد وسيلة لتحقيق منافع الحياة ومصالحها، وعندئذ يستأثر بالإنسان داء الجمع والمنع، حتى يعيش حياته كلها جماعًا للمال، دون أن ينتفع بما يجمع منه، ثم تأخذه يد المنون فتعزله عن وظيفة حارس صندوق أو خازن مال، ليلقى حسابه العسير على ما جمع ومنع، فلا هو انتفع ولا هو نفع، ونعوذ بالله من شر هذا الداء.