موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(2- حث الرسول على العطاء بشكل عام)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(2- حث الرسول على العطاء بشكل عام)
230 0

الوصف

                                                   حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية

                                                 2- حث الرسول على العطاء بشكل عام
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل السابع: حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية >>

2- حث الرسول على العطاء بشكل عام:

وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على العطاء، لتربية هذا الخلق الكريم في نفوس المسلمين، فمن ذلك ما يلي:

(أ) روى البخاري ومسلم عن أسماء قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أنفقي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك، ارضخي ما استطعت.

 وفي رواية:

ولا توكي فيوكى عليك.

 الوكاء: هو الرباط الذي يشد به فم السقاء أو الوعاء، والمراد لا تحبسي البذل فيحبس الله عنك.  

ولا توعي فيوعي الله عليك: يقال لغة: أوعى الطعام بالوعاء إذا جمعه فيه، ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا التوجيه لأسماء حثها على أن تتصدق بفضل الزاد الذي يزيد عن حاجتها، ولا تدخره في الأوعية، وهذا حثٌ لها على مرتبة الكمال في العطاء، أو المراد والله أعلم حثها على أن تعطي الكثير، من غير كيلٍ ولا تقدير، فهو على هذا نظير قوله لها: ولا تحصي فيحصي الله عليك.

ارضخي ما استطعت: أي أعطي ما استطعت من غير تقدير ولا إحصاء، وكأن هذا تفسير لقوله لها: ولا تحصي، ولا توعي.

(ب) وروى البخاري ومسلم عن أبي ذر قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال:

هم الأخسرون ورب الكعبة.

فقلت: فداك أبي وأمي، من هم؟

قال:

هم الأكثرون أموالًا، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا. من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، وقليل ما هم.

أي: إلا من أنفق في سبيل الله من كل الجهات.

فالمال إذا كان في يدٍ تقية سخية منفقة في سبيل الله فنعم المعونة هو، وإذا كان في يدٍ شحيحة ممسكة غير تقية فبئس جالب البلاء والعذاب هو.

(ج) ومن روائع التربية النبوية على الإنفاق في سبيل الله، ما رواه الترمذي وصححه عن عائشة، أنهم ذبحوا شاةً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

ما بقي منها؟.

قالت عائشة: ما بقي منها إلا كتفها.

قال صلى الله عليه وسلم:

بقي كلها غير كتفها.

أي: إن عائشة رضي الله عنها قالت: ما بقي منها إلا كتفها؛ لأنهم قد تصدقوا بها، ولم يبقوا لطعامهم إلا الكتف، فعكس الرسول صلى الله عليه وسلم لها اللفظ، وأرشدها إلى أن الذي بقي لهم إنما هو الذي تصدقوا به، وأما ما استبقوه لأنفسهم ليأكلوه فهو الفاني مع الحياة الدنيا وكل ما فيها.

(د) وروى مسلم عن أبي هريرة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله عز وجل.

فعطاء الصدقة لا ينقص من المال شيئًا؛ لأن الله سيخلفه.

(هـ) وروى البخاري ومسلم عن ابن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلّمها.

فالذي آتاه الله مالًا، فسلطه على إنفاقه في الحق، أي: في سبيل الله، وفي كل أمر نافع يرضي الله تعالى ولا يسخطه، هو إنسان محظوظ من الخير، رفيع المنزلة عند الله، لذلك فهو حقيق بأن يحسد حسد غبطة على ما آتاه الله من خير عظيم، وكذلك الذي آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها فيعطي من علمه ولا يبخل به.

وحسد الغبطة: أن يتمنى المرء لنفسه مثل ما لأخيه من خير.

(و) وترغيبًا بالعطاء والإنفاق في سبيل الله، لفت الرسول صلوات الله عليه النظر إلى نقطة مهمة جدًّا، وهي أن مال الإنسان هو ما أنفقه في سبيل الله، فقدمه لآخرته، وأما ما ادخره لنفسه في الدنيا فهو مال الوارث، وليس ماله؛ لأنه ستأتيه المنية، فيترك كل شيءٍ للوارثين.

روى البخاري عن ابن مسعود، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟.

قالوا: يا رسول الله، ما منا أحدٌ إلا ماله أحب إليه.

قال:

فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر.

(ز) وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من تصدق بعدل تمرةٍ من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه (أي: مهره) حتى تكون مثل الجبل.

فالتمرة الواحدة يربيها الله بفضله، حتى تعظم فتكون مثل الجبل، ويكون الجزاء الرباني عليها بحسب المقدار الذي وصلت إليه.

(ح) وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا.

فما هذا النشيد الدعائي الغريب، الذي يردده هذان الملكان؟ إذا علمنا أن الملائكة مسخرة بأمر الله، علمنا أن دعاء هذين الملكين إنما يعبر عن مجرى سنة الله في عباده، فالله من شأنه أن يعطي المنفقين في الخير خلفًا لما ينفقون، ويعطي الممسكين عن الخير تلفًا لما يمسكون، ولئن رافق تطبيق هذه السنة إمهال من الله لحكمة هو يعلمها، فإنه تبارك وتعالى يمهل ولكن لا يهمل.

(ط) ولذلك جاء في الحديث القدسي، فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك.

فالذين ينفقون في سبيل الله يعوض الله لهم ما ينفقون، ويخلف لهم خيرًا، وينفق عليهم.

(ي) ومن الأمثلة التطبيقية لمجرى هذه السنة الربانية، ما رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

بينا رجل بفلان من الأرض، فسمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة،  في حرة: أي في أرض مملوءة بالصخور غير صالحة للزراعة.   فإذا شرجة  شرجة: مسيل الماء من الحرة إلى السهل.   من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجلٌ قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان -الاسم الذي سمع في السحابة- فقال له: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه، ويقول: اسق حديقة فلان، لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذا قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأردّ فيها ثلثه.

أي: فهو يقاسم الفقراء قسمة مساوية لقسمته وقسمة عياله، لقد امتحنه الله بالغنى في زراعته، فكان من الشاكرين، فسخر الله له السحاب تسقي أرضه.

بخلاف مانعي الزكاة، فإن الله يمنع عنهم القطر من السماء ويرسل على زروعهم أسباب الإتلاف والإفساد.

هذه هي سنة الله في عباده يبارك للشاكرين، ويخلف لهم، ويزيدهم من فضله، أما الكافرون بأنعمه فيرفع عنهم البركة، ويسلط عليهم أسباب التلف والمحق.

(ك) ومن بديع القصص التي قصها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في شأن الابتلاء بالنعمة، ومكافأة الشاكر بالمزيد، ومجازاة الجاحد بسلب النعمة، قصة المرضى الثلاثة: الأبرص، والأقرع، والأعمى.

روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

إن ثلاثة من بني إسرائيل، أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكًا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟

قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب الله عني الذي قد قذرني الناس.

فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطي لونًا حسنًا، وجلدًا حسنًا.

قال: فأي المال أحب إليك؟

قال: الإبل.

فأعطي ناقة عشراء (العشراء: هي الحامل التي قاربت الوضع) فقال: بارك الله لك فيها.

قال: فأتى الأقرع (أي: أتى الملك الرجل الأقرع).

فقال: أي شيءٍ أحب إليك؟

قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس.

فمسحه، فذهب عنه، وأعطي شعرًا حسنًا.

قال: فأي المال أحب إليك؟

قال: البقر.

فأعطي بقرة حاملًا، وقال له: بارك الله لك فيها.

قال: فأتى الأعمى (أي: أتى الملك الرجل الأعمى).

فقال: أي شيء أحب إليك؟

قال: أن يرد الله بصري، فأبصر به الناس.

فمسحه، فرد الله إليه بصره.

قال: فأي المال أحب إليك؟

قال: الغنم.

فأعطي شاة والدًا.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

فأنتج هذان، وولد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

ثم إنه (أي الملك) أتى الأبرص في صورته وهيئته، (أي: أتاه على صفة رجل مريض بداء البرص، كما كان هذا الرجل قبل أن يرفع الله عنه ضره).

فقال له: رجل مسكين، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيرًا أتبلغ به في سفري.

فقال: الحقوق كثيرة.

فقال: إنه كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرًا، فأعطاك الله مالًا؟

فقال له: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر.

فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وأتى الأقرع في صورته (أي: وأتى الملك الأقرع في مثل الصورة التي كان الأقرع عليها من قبل).

فقال له: مثل ما قال لهذا (أي للأبرص) ورد عليه مثلما رد عليه هذا.

فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت.

قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته.

فقال: رجلٌ مسكين، وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري.

قال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله.

فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رُضي عنك، وسُخط على صاحبيك.

ومضمون الامتحان الذي جاء في هذه القصة يتكرر كثيرًا في حوادث الدهر، في كل عصر، وفي كل مصر.

(ل) وأبان الرسول صلى الله عليه وسلم أن بذل الزائد عن حاجة الإنسان هو خير له، وأن إمساك الزائد عن حاجته شرٌ له.

روى مسلم عن أ