موسوعةالأخلاق الإسلامية -تعريفات ( أنواع السلوك الإرادي للإنسان)

موسوعةالأخلاق الإسلامية -تعريفات ( أنواع السلوك الإرادي للإنسان)
559 0

الوصف

موسوعة الأخلاق الإسلامية
أنواع السلوك الإرادي للإنسان

ولدى التدبر في السلوك الإرادي للإنسان، نلاحظ أنه ينقسم إلى أنواع شتى:

1- فمنه ما هو أثر من آثار خلق في النفس محمود أو مذموم: كالعطاء عن جود، والإمساك عن شح، والإقدام عن شجاعة، والفرار عن جبن، والإقبال عن طمع، والكف عن عفة، والاعتراف عن حب للحق، والإنكار عن كبر وإفراطٍ في الأنانية، والإغضاء عن حلم، والتحمل عن صبر، وهكذا.

2- ومنه ما هو استجابة لغريزةٍ من غرائز الجسد أو النفس الفطرية، ضمن حدود الحاجات الطبيعية لها: كالأكل المباح عن جوع، والشرب المباح عن ظمأ، ومعاشرة الزوجة عن طلب لذلك، والنوم عن حاجة إليه، والسعي في اكتساب الرزق تلبية لداعي الفطرة، والاستمتاع المباح بالجمال تلبية لطلب النفس، والترويح عن النفس بشيء من مباحات اللهو واللعب، وأمثال ذلك.

3– ومنه ما هو استجابة إرادية لترجيح فكري: كأن يرى الفكر مصلحة أو منفعة في سلوك ما، فتتوجه الإرادة لممارسته، أصاب الفكر في ذلك أو أخطأ، كمعظم أعمال الناس اليومية في وجوه الكسب وغيره.

وقد يرجع هذا في جذوره إلى تلبية دافع من دوافع الغرائز الجسدية أو النفسية، أو إلى دافع أخلاقي، أو إلى غير ذلك.

4- ومنه ما هو من قبيل الآداب الشخصية أو الاجتماعية: كآداب الطعام والشراب، واللباس والمشي، والنظافة والنظام، والآداب المتعلقة بالأناقة وإصلاح مظاهر الجسد؛ كتنظيف الشعر وترجيله، وتقليم الأظافر، وإزالة شعر الإبطين والعانة، وإبداء كل حسنٍ وجميل احترامًا لأذواق الناس، وتكريمًا لهم، واسترضاءً لمشاعرهم.

وربما يكون التزام بعض هذه الآداب أثرًا من آثار خلق في النفس محمود، وربما يكون إهمالها أثرًا من آثار خلق في النفس مذموم.

5– ومنه ما هو طاعة للأوامر والتكاليف الربانية أو غير الربانية: وقد تكون هذه الأوامر والتكاليف ملزمة بسلوك أخلاقي، أو ملزمة بأعمال هي من قبيل العبادات المحضة، أو بأعمال هي من قبيل الآداب، أو ملزمة بأعمال تحقق المصالح والمنافع للناس، أو غير ذلك مما يخالف ما سبق أو يناقضه.

ومن هذا النوع أوامر الشرائع ونواهيها، وأوامر السلطات الحاكمة ونواهيها؛ ونحو ذلك من الأوامر والنواهي.

6- ومنه ما هو من قبيل العادات التي تتأصل في السلوك: وقد ترجع هذه العادات إلى موجه أخلاقي، أو موجه غرزي، أو موجه تكليفي، أو موجه اجتماعي، أو نحو ذلك. وقد لا تكون أكثر من ممارسات عبث استحكمت بالعادة.

7- ومنه ما هو من قبيل التقاليد الاجتماعية، التي تسري في سلوك الأفراد بعامل التقليد المحض، أو بقوة التأثير الاجتماعي. وقد تكون هذه التقاليد حسنة، وقد تكون سيئة.

وحين تكون قوة التأثير الاجتماعي هي العامل في ممارسة السلوك، فإن السلوك حينئذٍ يرجع إلى نوع الطاعة للمجتمع، في أوامر وتكاليف غير منصوصٍ عليها في العبارة.

وهكذا تبين لنا أن السلوك الإرادي الإنساني له أنواع شتى، فليس كل سلوك مظهرًا من مظاهر الأخلاق في النفس الإنسانية.

يضاف إلى ذلك أنه ربما يكون المظهر السلوكي الواحد أثرًا لموجه أخلاقي تارة، وأثرًا لغير ذلك تارة أخرى.

ويخلط بعض الناس مختلف مظاهر السلوك الإنساني فيجعلها من قبيل السلوك الأخلاقي؛ وهذا يرجع إلى أنهم لا يملكون تحديدًا واضحًا للأخلاق، أو يرجع إلى أن رؤيتهم لحقيقة السلوك غير واضحة.

وحشر أنواع السلوك الإنساني تحت عنوان الأخلاق خطأ فادح، يوقع في أخطاء أخرى أكثر وأكبر منه، والذي أوقع كثيرًا من الباحثين في موضوعات الأخلاق في أخطاء جوهرية عدم تمييزهم بين أنواع السلوك الإنساني.

إن الأصل في السلوك الإنساني أنه يهدف إلى تحقيق مطالب جسدية أو نفسية أو فكرية أو روحية، سواء أكان ذلك لصالح الفرد أو لصالح الجماعة، وأي سلوك لتحقيق مطلب من هذه المطالب إما أن يكون سلوكًا خلقيًّا، وإما أن يكون سلوكًا لا علاقة له بالأخلاق إيجابًا ولا سلبًا.

فقد يجوع الإنسان فيأكل مُلَبِّيًا حاجة عضوية لديه، وهنا نقول: إن تناوله للطعام بتأثير دافع الجوع سلوك لا علاقة له بميدان الأخلاق إيجابًا ولا سلبًا، ولكن شرهه فيه الزائد عن الحاجة والموقع له في المضرة سلوك ناتج عن خلق غير محمود، أما قناعته فيه والتزامه بمقدار الحاجة –وذلك بضبط نفسه عن دوافع الشره- فهو سلوك أخلاقي كريم، ناشئ عن قوة إرادته العاقلة التي تمنعه عن مواقع الضرر. فالشره في الطعام والقناعة فيه لهما أحكام أخلاقية، أما أصل الطعام الناشئ عن حاجة عضوية فهو سلوك فطري طبيعي، وإن وضعت له أحكام غير حكم الإباحة فهي أحكام دينية، أو صحية، أو ذوقية جمالية، أو أحكام تفرضها التقاليد والعادات؛ وهذه الأحكام سواء أكانت مصيبة أو مخطئة فإن مبرراتها ليست من ميدان الأخلاق.

ونستطيع أن نقول في حدود هذا المثال نفسه: إن هذا الذي دفعه الجوع إلى تناول الطعام، إذا اختار أن يأكل طعام غيره ظلمًا وعدوانًا دون أن يكون له فيه حق ولا شبهة حق؛ فإن سلوكه هذا سلوك ناتج عن خلق غير محمود، نظرًا إلى أنه تضمن عدوانًا على حق لغيره، أما إذا اختار أن يأكل طعامًا له حق في أن يأكله، وكف نفسه بإرادته عما ليس له به حق، مع تطلع نفسه إليه؛ فهو سلوك ناتج عن خلق محمود؛ لأنه تضمن ضبطًا للنفس عن هوىً من أهوائها أو شهوة من شهواتها، لتحقيق فضيلة من الفضائل، وهي فضيلة التزام الحق والبعد عن العدوان والظلم.

ونستطيع أن نقول أيضًا في حدود هذا المثال نفسه: إن هذا الذي دفعه الجوع إلى تناول الطعام، إذا اختار أن يأكله نظيفًا محفوفًا بالأناقة والذوق الرفيع والجمال؛ فإن سلوكه هذا سلوك يلبي فيه حاجة نفسية إلى التمتع بالجمال، ولا علاقة له بميدان الأخلاق إيجابًا ولا سلبًا، ولكن له حكمًا جماليًّا قد يدخل تحت عنوان الآداب. وهذا السلوك نفسه إذا فعله ليمتع غيره بصورة جمالية، فإنه بهذه الغاية يكون سلوكًا أخلاقيًّا حسنًا، أما إذا تركه استهانة بمشاعر الآخرين، وعدم اكتراث بآلامهم الناشئة عن نفورهم من القذارة والقباحة، فإنه حينئذٍ يكون سلوكًا مجانبًا لفضيلة خلقية.

ونستطيع أن نقول أيضًا في حدود هذا المثال نفسه: إن هذا الذي دفعه الجوع إلى تناول الطعام، إذا اختار أن يأكل من الأطعمة ما حرمه الدين لغاية من الغايات الدينية أو الصحية، فإن سلوكه هذا سلوك مخالف لحكم ديني، وربما لا يكون منافيًا للأخلاق، إذا قسناه بمقياس الأخلاق، ولكن مخالفة الله الخالق الرازق في أمرٍ من أوامره أو نهي من نواهيه سلوك منافٍ للخلق الكريم؛ لأن الفضيلة الخلقية توجب طاعة الله، وتحرم معصيته. فتناول الطعام المحرم دينيًّا لا علاقة له بالأخلاق من حيث ذاته، ولكن معصية الأحكام الدينية الربانية بوجه عام سلوك منافٍ لما توجبه الأسس الأخلاقية، وطاعتها سلوك مطابق لما توجبه الأسس الأخلاقية.

أما إذا كانت أحكام مثل هذه الأحكام ناشئةً عن عادات، أو تقاليد، أو طقوس ذات طابع ديني، ولكنها من أوضاع البشر لا من أحكام الله، فإن مخالفتها حينئذٍ لا تكون سلوكًا منافيًا لما توجبه الأسس الأخلاقية؛ لأن المفاهيم الأخلاقية لا توجبها من حيث ذاتها، كما أنها لا توجب طاعة العادات أو التقاليد أو الطقوس التي هي من أوضاع البشر؛ إذ لا حق لهذه الأمور على الإنسان حتى تستوجب منه الطاعة، وإن جرى في أعراف الناس خلاف ذلك، فليس كل ما في أعراف الناس وتقاليدهم ومفاهيمهم حقًّا.

من خلال مثالٍ واحد استطعنا أن نكتشف الفروق ما بين أنواع السلوك، والفروق بين أحكامها، وظهر لنا أن بعضها أحكام أخلاقية، وبعضها أحكام ذوقية جمالية، يمكن أن تدخل تحت عنوان الآداب، وبعضها أحكام دينية بحتة: فما كان منها منزلًا في شريعة ربانية صحيحة وجب التزامه طاعة لله وعبودية له، وما كان منها من أوضاع البشر وملصقًا بالدين إلصاقًا دون مستندٍ صحيح من شريعة صحيحة، فلا حق له في طاعة ولا التزام، وما كان منها من أحكام فرضتها العادات والتقاليد –وهذه أمور تدخل فيها خرافات كثيرة ونقائص يدعو الكمال إلى نبذها- فلا تعتبر مخالفتها منافية لمكارم الأخلاق، كما أنه ليس للتقاليد والعادات حق في طاعة والتزام، حتى تعتبر مخالفة هذا الحق سلوكًا منافيًا للخلق الحميد.

وينبغي أن لا يغيب عن بالنا أن كثيرًا من الأحكام الدينية هي أحكام أخلاقية؛ لأن الدين الحق يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن رذائلها، كما أن كثيرًا من أحكام العادات والتقاليد هي أحكام أخلاقية أيضًا، كما أن كثيرًا من السلوك الأخلاقي مشمول أيضًا بأحكام ذوقية جمالية، فهو من جهة ارتباطه بالأخلاق له حكم أخلاقي، ومن جهة ارتباطه بالجمال له حكم جمالي يدخله في باب الآداب. وهكذا تتشابك الجوانب، وتلتقي على سلوك واحد؛ وهذا التشابك هو الذي يلبس الأمر على الباحثين، ومن أجل ذلك كان التمييز بحاجة إلى بصر علمي نفاذ، وتحر دقيق لكل مسألة على حدة، ولكن الذي يهدي سبيل الباحث هو رجوعه إلى الأسس العامة التي تستند إليها مكارم الأخلاق.

فالخلق المحمود:
صفة ثابتة في النفس فطرية أو مكتسبة تدفع إلى سلوك إرادي محمود عند العقلاء. كالأخذ بالحق أو الخير أو الجمال وإن خالف الهوى، وترك الباطل والشر والقبح وإن وافق الهوى أو الشهوة.

ويمكن تمييز الأخلاق الحميدة عن غيرها بأنها كل سلوك فردي أو اجتماعي تلتقي النفوس البشرية على استحسانه، مهما اختلفت أديانها ومذاهبها وعاداتها وتقاليدها ومفاهيمها. ويلحق به ما كان أثرًا من آثاره، أو فرعًا من فروعه.

والخلق المذموم:
صفة ثابتة في النفس فطرية أو مكتسبة تدفع إلى سلوك إرادي مذموم عند العقلاء. كالأخذ بالباطل أو الشر أو القبح، وترك الحق أو الخير أو الجمال، اتباعًا للهوى أو الشهوة.

ويمكن تمييز الأخلاق الذميمة عن غيرها بأنها كل سلوك فردي واجتماعي تلتقي النفوس البشرية على استقباحه واستنكاره، مهما اختلفت أديانها ومذاهبها وعاداتها وتقاليدها ومفاهيمها، ويلحق به ما كان أثرًا من آثاره، أو فرعًا من فروعه.