موسوعةالأخلاق الإسلامية-بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته(1- الكبر والعجب بالنفس)
الوصف
بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته
1- الكبر والعجب بالنفس
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 9- بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته >>
(1) الكبر والعجب بالنفس:
الكبر والعجب بالنفس داء من أدواء النفس الخطيرة، التي تمثل انحرافًا خلقيًّا يجنح بالإنسان عن سبيل الحق. والكبر والعجب بالنفس من أبرز وأخطر العوامل التي تدفع إلى الانحراف في المفاهيم الفكرية، وذلك لأنه متى نفخ الكبر والعجب بالنفس في أنف المستكبر المغرور، واستوليا على عقله وإرادته، ساقاه بعنفٍ شديدٍ وتمرد لئيم إلى غمط الحق وطمس معالمه، ثم إلى انتحال صور من الباطل يعمل على تزيينها وتحسينها بالأقوال المزخرفة، والحجج المزينة بالألوان والأصباغ، وهي في حقيقة حالها أشبه ما تكون بأخشاب المسارح ورسومها وستورها، مظاهر خادعة ولكن لا حقيقة لها.
تعريف الكبر:
يرجع الكبر في جذوره النفسية إلى الشعور المغرور بالاستعلاء الذاتي على الأقران والنظراء، وعلى المكانة التي يجد المستكبر نفسه فيها داخل مجتمعه، ويرجع إلى الرغبة بإشعار الآخرين بالامتياز عليهم، ولو لم يكن لهذا الامتياز وجود في الواقع فهو انتفاخ بغير حق، وتطاول بغير حق، وتعالٍ بغير حق، وتصغير للآخرين بغير حق، أو تصغير ما لهم بغير حق.
ويرجع أيضًا إلى الرغبة الجامحة في عدم الخضوع لأحد، ويقترن بهذه الرغبة الشعور الجاهل المغرور بالاستغناء الذاتي.
فله عدة أسباب نفسية تنبع من منابع الأنانية المفرطة:
السبب الأول:
الرغبة بعدم الخضوع لأحد، وتمتد هذه الرغبة في أقصى مداها إلى التمرد على طاعة الله الخالق الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، وبيده الحياة والموت، والنفع والضر، وهو على كل شيء قدير. ومع هذه الرغبة الحمقاء يأتي الشعور النفسي الجاهل المغرور باستغناء المستكبر بذاته، ومتى عظم هذا الشعور واستولى على جوانب النفس تولد عنه في سلوك المستكبر الطغيان (إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآَهُ اسْتَغْنَى (7)) ولا ينمو هذا الشعور ويعظم إلا وفي العقل نقص، وفي الإدراك قصور، وقد ينشأ ذلك عن حجب كثيفة من الرغبات النفسية الجامحة، تحجب البصيرة عن إدراك كثير من الحقائق التي تخالف هواها.
السبب الثاني:
الطموح الجامح إلى الامتياز على الآخرين، والرغبة المجنونة باحتلال المرتبة المتفوقة ولو بغير حق، ومع إرادة هذا العلو في الأرض ولو بغير حق يأتي الشعور الجاهل المغرور بالاستعلاء الذاتي. ومستكبر من هذا النوع يجد أن من حقه على المجتمع أن يمنحه هذا الامتياز والتفوق، وأن يعترف له به، وحين لا يعطيه المجتمع هذا الحق الذي رآه هو لنفسه يحقد عليه، ويبدو منه تصرفات عجيبة حمقاء تجاهه.
أو يأتي الشعور الجاهل المغرور بأنه يستطيع أن ينال ما يطمح إليه عن طريق الاستكبار.
إن مستكبرًا من هذا لنوع لا يريد أن يعرف أن طريق المجد صعب، وأنه طريق صاعد لا يرتقي إلا بشق الأنفس، وبجهاد طويل، وكفاية فطرية.
إن مستكبرًا من هذا النوع تزين له نفسه أن يختصر الطريق، فيستكبر انتفاخًا، بدل أن يكدح لنيل المجد بالتزود بالصفات والخصائص الحقيقية، وبدل أن يرضى بنوع المجد ومقدار المجد الذي يمكن أن توصله إليه خصائصه الفطرية والكسبية.
إن مستكبرًا من هذا النوع، لا يريد أن يعرف أن طلب الإنسان لأمر ليس هو مؤهلًا له معاكسة لسنة الحياة، ولطبائع الأشياء، بل تزين له نفسه أن الاستكبار من الطرق التي تمكنه من أن يعتلي مرتبة مجد ليس هو مؤهلًا لها في خصائصه الفطرية أو المكتسبة، فيكون مثله كمثل الهر الذي ينتفخ ليشعر خصمه بأنه أسد، أو كمثل الشاة التي تلبس جلد النمر، أو كمثل الزبد الذي يربو على الماء ويتعالى مستكبرًا منتفخًا، ثم يذهب جفاء مطروحًا لا قيمة له، ولا كيان له.
إن طلب المجد عن طريق الاستكبار غباء شديد، إذ الصلة بين المجد والاستكبار منقطعة تمامًا، ولا يتصلان إلا في وهم المستكبر، أو خرافة الخيال، أو أحاديث مرضى العقول.
السبب الثالث:
الرغبة بإخفاء ما يشعر به المستكبر من نقص في ذاته أو في عمله وهو حريص على أن يكون في أعين الناس كبيرًا، وأن لا يكتشفوا نقصه.
ومع هذه الرغبة، يأتي السلوك الغبي لتغطية النقص بعملية الانتفاخ والاستكبار، فيفضح بهذا السلوك نفسه، إذ يوجه أنظار الناس إليه باحثين عن حقيقة حاله. والناس أذكياء، لا تخفى عليهم محاولات المستكبر، ولا تخفى عليهم أهدافه، إنهم بسرعة يكشفونه ويستبينون نقصه، فيحتقرونه، ويستصغرون عقله، ويرونه مصابًا بداء مركب النقص.
ولقد كان باستطاعته أن يستر نقصه بالتواضع، ولين الجانب، والتحبب إلى الناس، والصمت فيما يجهل، والبعد عن التحديات، والاعتذار عما لا يحسن، وعدم الادعاءات الباطلة.