موسوعةالأخلاق الإسلامية-بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته(تحذير الإسلام من الكبر والغرور بالنفس)
الوصف
بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته
تحذير الإسلام من الكبر والغرور بالنفس
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 9- بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته >>
تحذير الإسلام من الكبر والغرور بالنفس:
تبين لنا أن الكبر من أقبح الانحرافات الخلقية وأسوئها، وأنه قد يدفع بصاحبه إلى جحود خالقه والاستكبار على طاعته، ولذلك شدد الإسلام في تحريمه والتحذير منه، وشدد اللائمة على المستكبرين، وأوعدهم بالعقاب الشديد، كما رغب بالتواضع وحث عليه، ومجد المتواضعين وأثنى عليهم، ووعدهم بالثواب الجزيل.
وفيما يلي طائفة من النصوص الإسلامية في هذا المجال:
1- روى الترمذي بإسناد حسن عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون.
قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيقهون؟ قال:
المتكبرون.
والمتشدقون هم الذين يتكلمون بملء أفواههم، ويتصنعون القول تصنعًا مع التعاظم به والتعالي على الناس، فيرجع إلى دافع الكبر.
ومن هذا الحديث نلاحظ أن أبغض المؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبعدهم منه مجلسًا يوم القيامة المتكبرون.
2- وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يقول الله تعالى: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار".
فالعقوبة الأخروية المقررة لمن ينازع الله تبارك وتعالى في صفتيه الكبرياء والعظمة أن يقذف في النار.
3- وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
4- المتواضعون لله هينون لينون، وبذلك جاء وصف المؤمنين، روى الترمذي مرسلًا عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
المؤمنون هينون لينون، كالجمل الأنف، إن قيد انقاد، وإن أنيخ على صخرة استناخ.
5- وروى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يسمى (بولس) تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال.
الأنيار: جمع النار. ونار الأنيار: أي أشد لهب النار، وتصغير المتكبرين في عذاب يوم القيامة، وإذلالهم من كل مكان، عقاب لهم من جنس عملهم.
6- وروى الترمذي عن سلمة بن الأكوع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم.
أي: لا يزال يذهب بنفسه مستكبرًا منتفخًا متعاليًا على خلق الله، متعاظمًا بنفسه، حتى يرى أنه فوق الناس في خصائصه الفكرية، أو في خصائصه الجسدية، أو في أعراقه وأمجاده، أو في أتباعه وأولاده، أو في أمواله وأجناده، أو في مكانته في قومه، ويظل يتعالى بنفسه حتى يطغى ويكون جبارًا من الجبارين، وعندئذٍ يقصمه الله.
إن هذا الحديث يصور حالة تدرج المستكبر في سلم الاستكبار والانتفاخ، حتى يكون جبارًا من الجبارين، وأنه في أول حاله قد لا يكون كذلك. وهذا ما يشاهد في بعض الناس حينما يملكون بعض القوى المادية، التي تمكنهم من بسط سلطانهم في الأرض، إنهم يبدأون بداية صغرى، ثم يترقون في درجات الكبر درجة بعد درجة، حتى يبلغوا الدرجة القصوى، والسبب في ذلك تزايد عامل الغرور بالنفس، حينما تساعدهم الظروف على التسلط، وينفخ في رؤوسهم المتملقون، والمنافقون، والمداحون.
7- وروى البخاري ومسلم عن حارثة بن وهب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظٍ مستكبر.
العتل: هو الجافي شديد الخصومة بالباطل.
الجواظ: الجموع المنوع، أو هو المختار المتكبر، أو هو الفاجر.
8- وروى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر.
أي: فقير مستكبر؛ وذلك لأن الفقير من شأنه أن يخفض الجناح، ولا يستكبر مع فقره إلا من ازداد لديه خلق الكبر زيادة جعلته منطمس البصيرة عن إدراك واقعه الذي يقتضي منه أن لا يكون مستكبرًا.
9- وروى مسلم عن عياض قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد.
10- وأبان الله تبارك وتعالى أنه لا يؤمن بآيات الله عند تذكيره بها إلا الذين يخضعون لربهم ويسبحون بحمده وهم لا يستكبرون، فلا يمنعهم كبر في صدورهم عن الخضوع لله والتسبيح بحمده، قال الله تعالى في سورة (السجدة 32):
(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)) .
فدل بهذا على أن عامل الكبر أخطر العوامل الصارفة عن الإيمان بالله وبآياته.
11- وأثنى الله على الملائكة بأنهم لا يستكبرون عن عبادة ربهم، فقال تبارك وتعالى في سورة (الأعراف 7):
(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)) .
وقال تعالى في سورة (النحل 16):
(وَللهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلاَئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)) .
12- وروى مسلم عن سلمة بن عمرو بن الأكوع: أن رجلًا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال له:
كل بيمينك
. قال: لا أستطيع. قال:
لا استطعت
ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه.
فهذا الرجل الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يأكل بيده اليمنى فلم يفعل، واعتذر بأنه لا يستطيع، إنما منعه الكبر أن يطيع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمره به، لذلك قال له الرسول صلى الله عليه وسلم:
لا استطعت
فكان جزاء كبره وكذبه أنه صار عاجزًا فعلًا عن أن يرفع يده إلى فيه بعد ذلك.
ففي الحديث أمران:
الأول:
استنكار الكبر الذي يمنع صاحبه من الطاعة، واستقباحه وتوجيه الذم والعقوبة لصاحبه.
ومعلوم أن الكبر من أقبح الأخلاق التي يقاومها الإسلام، وينهى المسلمين عنها، وهو أخبث عنصر يقذف بصاحبه إلى درك الكفر والجحود والعصيان.
الثاني:
استنكار الكذب واستقباحه، وقد دفع الرجل إلى الكذب إرادته تغطية كبره.
13- وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان، ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من كبر.
فدلت هذه الأقوال النبوية على أن المستكبرين أبعد الناس عن الجنة، وأن الكبر والكفر قرينان، إذ لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر.
ولكن ليس المراد من الكبر ما يشمل رغبة الإنسان بأن يكون مظهره أنيقًا ولباسه حسنًا، بل المراد منه كما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم بطر الحق وغمط الناس. وقد سبق تفسير هذا التعريف النبوي، ففرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين الكبر وبين المظاهر الجمالية التي قد يدفع إليها الكبر، وقد يدفع إليه حب الجمال والرغبة بالأناقة، وعندئذٍ لا تكون من قبيل الكبر ولا دالة عليه.
والكبر الذي يحرم المستكبر من دخول الجنة، هو الكبر عن الإيمان بالله وبما جاء من عنده وبكل ما أمر بالإيمان به، والكبر عن طاعة الله وكل من أمر الله بطاعته. أما كبر الناس على الناس دون أن يؤثر ذلك على قضيتي الإيمان والطاعة لله فهو من المعاصي الكبرى، ومن الكبائر، إلا أنه لا يخرج من دائرة الإيمان والإسلام إلى دائرة الكفر والحرمان من دخول الجنة.
14- وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها.
15- وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل، رأسه يختال في مشيته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة.
يتجلجل: يغوص وينزل.
فدلت النصوص على أن الكبر داء يجر إلى أوخم العواقب.