موسوعةالأخلاق الإسلامية-بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته(آثار الحسد في المجتمع)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته(آثار الحسد في المجتمع)
216 0

الوصف

                                                     بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته

                                                               آثار الحسد في المجتمع
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 9- بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته >>

آثار الحسد في المجتمع:

حين يدفع الحسد الحاسدين إلى ارتكاب مركب الجريمة ينجم عنه في المجتمع شرور كبرى، منها الغيبة، والنميمة، والبغي، والعدوان، والظلم، والاتهام الباطل، وافتراء الكذب، والجور في الحكم، والسرقة، والغش، والقتل، وهكذا إلى كل جريمة قبيحة منكرة. ويتفاوت الحاسدون في مدى ارتكابهم للجرائم، ويكون لكل منهم نسبة تساير ضعف إيمانه، وقلة دينه وخوفه من ربه.

وما من ذي نعمة إلا كان له حاسدون، وكان له من حاسديه ظالمون آثمون، دبروا له المكايد، وافتروا عليه الفرى، ومكروا به أيما مكر.

فذو نعمة في عقله وعلمه، كان له حاسدون واشون، أفسدوا ما بينه وبين ذي سلطان، بالكذب والبهتان، فناله من حسدهم بلاء وهم، أو حزن وغم.

وذو نعمة في سلطانه ومجده، كان له حاسدون واشون، أفسدوا ما بينه وبين أقرانه، أو بينه وبين رعيته، بالكذب والبهتان، والظلم والعدوان، فناله من حسدهم هم وغم، وحزن وبلاء.

وذو نعمة في ماله وتجارته، كان له حاسدون واشون، أفسدوا ما بينه وبين زبائنه وشركائه، أو بينه وبين ذي سلطان، بالكذب والبهتان، والظلم والعدوان، فناله من حسدهم بلاء وهم، أو حزن وغم.

وذو نعمة في دعوته إلى الله، وجهاده في سبيل الله، وإخلاصه في نصحه، وصدقه في عمله، كان له حاسدون واشون، أفسدوا ما بينه وبين إخوانه وأحبابه، وتلامذته وأصحابه بالكذب والبهتان، والظلم والعدوان، فناله من حسدهم بلاء وهم، أو حزن وغم.

وكم من زوجين حبيبين، يظللهما سرادق السعادة والهناء، ويمتعهما نعيم المودة والصفاء، ويمدهما العطاء الكريم بالصحة والرخاء، كان لهما حاسدون واشون، أفسدوا ما بينهما بالكذب والبهتان، والظلم والعدوان، فنالهما من حسدهم بلا وهم، أو حزن وغم، وربما منيا بمر الفراق وشر الطلاق.

وكم من أصحاب متآخين في الله، متصافين متحابين، يجتمعون على الله ويفترقون عليه، قد ائتلفوا بينهم ائتلاف حبات عقد اللؤلؤ النظيم، لا يمر النسيم فيما بينهم إلا بعطر، ولا تطلع الشمس عليهم إلا بزهر، ولا يسبل الليل عليهم ستره إلا بصفاء، ولا يمر الزمان على أحدهم إلا بوفاء، قد دخل بينهم حاسدون واشون، أفسدوا ما بينهم بالغيبة والنميمة، كذبًا وبهتانًا، وظلمًا وعدوانًا، فنالهم من حسد حاسديهم هم وبلاء، وعداوة وبغضاء، ثم تفرقوا تفرق الأعداء.

وكم من والدٍ أفسده مكر الحاسدين على ولده، فبات غاضبًا عليه بعد أن كان راضيًا عنه.

وكم من ولد أفسده الحاسدون على أبيه، فبات عاقًا له بعد أن كان بارًا به.

وكم من محصنة عفيفة شريفة، زنّاها الحاسدون والحاسدات، وأشاعوا عنها من الفواحش ما لم تفعل، فدفعوها إلى عقوبة الحد، أو أساؤوا سمعتها، ودنسوا شرفها كذبًا وبهتانًا، وهي مما افتروا أطهر من ماء السماء، أو هي في طهارتها كطهر الحور العين، اللاتي لم يطمثهن إنس ولا جان، وكم من محصن عفيف شريف، فعل به الحاسدون مثل ذلك.

وكم من أمين خونه الحاسدون والحاسدات، فأردوه بالخيانة. وكم من صادق رماه الحاسدون بالكذب. وكم من عالم طعنه الحاسدون بالجهل. وكم من عاقل غمزه الحاسدون بالحماقة. وكم من رزين لمزه الحاسدون بالطيش. وكم من عادل شيع عنه الحاسدون أنه جائر ظالم. وكم من صاحب خلق كريم وصفه الحاسدون بالنفاق. وكم من داع إلى الحق صادق مخلص وصفه الحاسدون بالرياء، أو بأنه تاجر طالب جاهٍ أو مال. وكم من جميل قبحه الحاسدون وشوهوه. وكم من قوي أضعفه الحاسدون وأوهنوه. وكم من ثري كاده الحاسدون ومكروا به حتى نزل به الفقر. وكم من ذي جاه وسلطان ما زال به الحاسدون حتى أذلوه. وكم من ذي شجاعة وبأس وبطولة، مكر به الحاسدون حتى قتلوه، وكم من نبي أوقع به حاسدوه حتى قتلوه أو أخرجوه من بلاده.

كل هذا له شواهد وأمثلة كثيرة في أحداث التاريخ، وما يزال التاريخ يسجل منها أحداثًا وأمثلة كثيرة، في كل حقبة من الزمن، وفي كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية.

وهكذا يقطع الحسد وشائج المودات، وصلات القرابات، ويفسد الصداقات، ويولد في الناس العداوات، ويفكك أفراد المجتمع، ويباعد بين الجماعات.

إن مثل الحسد كمثل مقراض خبيث، يمشي بين الناس فيقطع الأربطة التي تصل بعضهم ببعض على أساس من الأخوة والمودة. وكمثل معول خبيث، يهدم في بنيان الجماعات، ويقتلع أسس المودات والصداقات، ويضع مكانها بذور العداوة والبغضاء والحقد.

في حين أن التربية الأخلاقية الإسلامية تبني المجتمع الإسلامي على أساس الأخوة، ذات الأربطة المتينة التي تجعل المجتمع بمثابة جسد واحد.

هذه لمحة عن آثار الحسد في المجتمع. أما أضراره على قلب الحسود ونفسه فيمكن تلخيصها بما يلي:

1- إنه نوع من الاعتراض على أفعال الله تعالى، واتهام الله جل وعلا في حكمته العالية، والتطاول إلى مقام يجب على المؤمن أن يقف دونه موقف الأدب والرضا والتسليم، فهو يتنافى مع الإيمان، لذلك فهو والإيمان لا يجتمعان في قلب عبد، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

2- ما يمس قلب الحسود ونفسه من آلام تقض مضجعه، وتجعله مهمومًا مغمومًا، يعاني كمده، وتمزق نفسه، وحزن فؤاده، إذ تطحن أعصابه المتوترة المتصلبة آلام الحرمان والغيرة، وآلام النهم المصدود، والشره المردود، والطمع الموصود، والجماح المكبوح، والفؤاد المجروح.