موسوعةالأخلاق الإسلامية-النفاق(المنافقون يتخذون أيمانهم الكاذبة جنةً)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-النفاق(المنافقون يتخذون أيمانهم الكاذبة جنةً)
185 0

الوصف

                                                                  النفاق

                                                         المنافقون يتخذون أيمانهم الكاذبة جنةً
                                    الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 4- النفاق >>

7- ومن ظواهرهم السلوكية أنهم يتخذون أيمانهم الكاذبة جنةً يقون بها أنفسهم، ويسترون بها أعمالهم المخالفة لما أعلنوه من الإسلام، ويسترون بها جرائمهم وما يخفون من عداء وكراهية.

وفي بيان هذا من أوصافهم يقول الله تعالى في سورة (المنافقون 63):

(اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)) .

إنهم يعلمون من أنفسهم الكذب، فيتصورون أن الناس لا يصدقونهم، فيسارعون إلى الأيمان الكاذبة الفاجرة، ليقوا بها أنفسهم، ويغشوا بها على أعين المؤمنين، حتى لا يروا فيهم واقع حالهم الكاذب.

هذه الأيمان الكاذبة يحلفونها ليصدقهم المؤمنون بأنهم منهم، ويحلفونها أيضًا كلما فعلوا أمرًا من شأنه أن يكشف نفاقهم.

أما أيمانهم التي يحلفونها ليثبتوا بها أنهم صادقون في إسلامهم غير كاذبين، فقد أوضحها الله تعالى بقوله في سورة (التوبة 9):

(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُم مِّنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)) .

إنهم يحلفون؛ لأنهم يفرقون، أي: يخافون خوفًا شديدًا من انكشاف نفاقهم، فلو يجدون ملجأً يلجأون إليه، أو مغارات يأوون إليها، أو مدخلًا يتوارون فيه، لولوا إليه وهم يجمحون، أي: يسرعون في جموح كجموح الخيل، وفي هذا تصوير لحالة فرقهم الشديد، وخوفهم من أن تلاحقهم نقمة المسلمين.

ومن أمثلة هذه الظاهرة السلوكية للمنافقين ما يلي:

أولًا:
اجتمع نفر من المنافقين، فتكلموا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا ينبغي، مما يؤذيه صلوات الله عليه، فقال بعضهم: لا تفعلوا هذا فإنا نخاف أن يبلغ ما نقول محمدًا فيعرف أمرنا وينتقم منا، فقال أحدهم وهو (الجلاس بن سويد): نقول ما شئنا، ثم نأتيه فننكر ما قلنا ونحلف له على ذلك، فيصدقنا، إنما محمد أذن (أي: هو يبني أحكامه على مقدار ما يسمع من أقوال الناس، فما يبلغه عنا ننكره ونحلف له الأيمان على ذلك، فيصدقنا ولا يكشف كذبنا) فأنزل الله في شأنهم قوله في سورة (التوبة 9):

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)) .

ثانيًا:
كان نفر من المنافقين يوالون اليهود وينقلون إليهم أسرار المؤمنين، فاجتمعوا ذات مرة فجعلوا يشتمون الرسول صلى الله عليه وسلم فعلم الرسول بهم عن طريق الوحي، وكان في حجرة من حجراته، فقال لجلسائه: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار، وينظر بعين شيطان، فدخل المنافق (عبد الله بن نبتل) وكان أزرق، وكان من النفر الذين شتموا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له الرسول: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله أنه لم يفعل شيئًا من ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: فعلت، فانطلق المنافق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبوه ولا شتموه، فأنزل الله تعالى قوله في سورة (المجادلة 58):

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (16)) .

ثالثًا:
لما دعا الرسول صلوات الله عليه المسلمين للخروج إلى قتال الروم على مشارف الشام، في الغزوة المسماة بغزوة تبوك، أخذ المنافقون يتهربون من الخروج إلى هذه الغزوة، فبعضهم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلفق له الأعذار ويحلف له، وبعضهم نشط في تثبيط الناس عن الخروج مع الرسول، وكثير منهم توارى عن الأنظار، وتخلف فلم يشهد الغزوة، ولم يستجب لأمر الرسول، ولكنه قرر في نفسه أن يلفق الأعذار للرسول عند عودته، ويحلف الأيمان المغلظة على ذلك كذبًا وفجورًا، وبعضهم خرج مع الرسول وشهد الغزوة كارهًا، يبتغي من خروجه الإفساد والشر بالمسلمين، ودس الدسائس وإلقاء الفتن، وتثبيط من يستمع إليه من المسلمين، وإلقاء الريب في قلوبهم، وتوجيه الانتقادات الهمسية الخفية لتصرفات الرسول صلوات الله عليه.