موسوعةالأخلاق الإسلامية-العدل(العدل من صفات محبي الحق)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-العدل(العدل من صفات محبي الحق)
239 0

الوصف

                                                                 العدل

                                                  العدل من صفات محبي الحق
                          الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 5- العدل >>

العدل من صفات محبي الحق ومن صفات المؤمنين:

ولما كان العدل أحد فروع خلق حب الحق وإيثاره، وأثرًا تطبيقيًّا من آثاره، كان لا بد أن نجد الذين يحبون الحق ويؤثرونه قومًا متصفين بخلق العدل، ولذلك نرى أهل الإيمان الصادقين أهل عدل، إذ جعلهم حبهم للحق يؤمنون به؛ فإيمانهم به يدفعهم إلى إقامة العدل، والحكم بالعدل، والشهادة بالعدل، ومعاملة الناس بالعدل، والقول بالعدل، والكتابة بالعدل، إلى غير ذلك مما يدخل فيه العدل والجور.

ولذلك لما أمر الله بالعدل وبالقسط خاطب بأمره الذين آمنوا، إشعارًا بأن العدل من لوازم الإيمان، وبهذا نستطيع أن نفهم التشابك المنطقي بين حب الحق وإيثاره والإيمان وظاهرة العدل.

وحينما يتحول العدل من كونه أثرًا من آثار حب الحق، أو ثمرة من ثمرات الإيمان، إلى كونه ظاهرة عملية متكررة في سلوك الفرد، كلما اقتضى الحق والإيمان العمل بالعدل، فإنه يكون حينئذ خلقًا من أخلاقه المتمكنة فيه، وذلك بسبب تكرر التدرب العملي عليه، وعدم الاستجابة لنوازع النفس وشهواتها، وأهوائها، ونوازغ شياطين الإنس والجن.

أما أمر الله الذين آمنوا بالعدل وبالقسط فنجده في نصوص قرآنية متعددة، منها قول الله تعالى في سورة (النساء 4):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)) .

ومنها قول الله تعالى في سورة (المائدة 5):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)) .

شنآن قوم: بغض قوم. القسط: هو العدل.

من الملاحظ تنوع التعبير في هذين النصين، ففي آية النساء، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ ) وفي آية المائدة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) .

وأرى أن السر في ذلك هو إرادة الدلالة على أن كلًا من القوامة والشهادة يجب أن يكون بالعدل ويجب أن يكون لله، أي: مبتغىً به وجه الله تعالى، فكانت الدلالة على ذلك عن طريق التنويع في التعبير على هذا الشكل من ألطف الدلالات وأعذبها بيانًا.

وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ) : أمرٌ للمؤمنين بأن يكون العدل خلقًا من أخلاقهم، وذلك لأن صيغة (قوام) هي صيغة مبالغة لقائم، فإذا قلنا: فلانٌ قوام بالعدل، دل هذا القول على أن القيام بالعدل من الأخلاق المتمكنة فيه، فكلما اقتضاه الحق والواجب أن يعمل بالعدل فإنه يعمل بالعدل، فيكون القيام بالعدل من سجاياه، وحين نرى إنسانًا يعمل بالعدل في كل الأحوال التي يستدعي الحق والواجب العمل فيها بالعدل فإننا نقول دون تردد: إن العدل خلقٌ من أخلاقه.

إذن فالله تبارك وتعالى يأمر الذين آمنوا بأن يكون العدل خلقًا ثابتًا من أخلاقهم.