موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصدق(ل - اليمين الغموس)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصدق(ل - اليمين الغموس)
207 0

الوصف

                                                                 الصدق

                                                       ل - اليمين الغموس
                                    الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 3- الصدق >>

ل - اليمين الغموس:

ومن أقبح صور الكذب، الكذب الذي يؤكد باليمين، وهو الحلف بالله لتوثيق الكلام الكاذب، وهذه اليمين الكاذبة الفاجرة هي اليمين الغموس، وقد سميت بهذا الاسم لأنها تغمس صاحبها في الإثم الكبير، ثم تغمسه في النار. واليمين الغموس من أعظم الكبائر، وإنما كانت كذلك لأن فيها استغلال ثقة المخاطب بأيمان الحالف بالله، وأنه لا يتجرأ على أن يحلف بالله كاذبًا، فيصدقه ويستسلم له، ويعتبر يمينه بقوة البينة.

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اليمين الغموس فأجاب بأنها هي اليمين الكاذبة التي يقتطع بها حالفها مال امرئ مسلم بغير حق؛ روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس

وفي رواية أخرى له أن أعرابيًّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال:

الإشراك بالله

قال: ثم ماذا؟ قال:

اليمين الغموس

قلت: وما اليمين الغموس؟ قال:

الذي يقتطع مال امرئ مسلم.

يعني: يقتطع مال امرئ مسلم بيمين هو فيها كاذب.

وروى البخاري ومسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان


قال ابن مسعود: ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله عز وجل:

(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآَخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)) .  من سورة (آل عمران 3):  

فالذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا هم الذين يبذلون عهد الله وأيمانهم بالله وهم كاذبون، مقابل تحصيلهم شيئًا من متاع الحياة الدنيا، وما أقل هذا الثمن الذي يأخذونه ويبذلون في مقابله سعادتهم في الآخرة، بسبب عهودهم وأيمانهم التي يكذبون فيها، وبئست هذه الصفقة الخاسرة يدفعون فيها شيئًا عظيمًا ويشترون به ثمنًا قليلًا!! إنهم لا خلاق لهم في الآخرة، أي: ليس لهم حظ ولا نصيب من الخير ولا من السعادة، ولا يكلمهم الله إعراضًا عنهم؛ لأنهم اتخذوا أيمانهم بالله وسيلة لمعصية الله، ولا ينظر إليهم نظر رحمة يوم القيامة. ولا يزكيهم، أي: ولا يطهرهم من ذنوبهم وآثامهم بالعفو والغفران؛ لأنهم لا يستحقون هذا التطهير، ولهم عذاب أليم.

إن مرتكب هذا الإثم العظيم يرتكبه ليستزيد من عرض الحياة الدنيا، ولكن لا يزيده الله إلا قلة وفقرًا، وهي معاقبة معجلة من الله له بعكس ما يسعى إليه، فلا هو يصل إلى ما يريد من استكثار من عرض الحياة الدنيا، ولا هو يحافظ على سلامة دينه من كبائر الإثم، هذه هي سنة الله في عباده.

روى البخاري ومسلم عن ثابت بن الضحاك، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة.

لغو اليمين:

واليمين التي يؤاخذ عليها هي اليمين المعقودة في القلب، والمقصودة لتوثيق الكلام، أما ما ينطق به اللسان من أيمان بحكم جريان العادة فلا مؤاخذة عليه، وهو من لغو اليمين، إذ لا يقصد منها الحلف ولا تأكيد القول، وهي كقولهم في غضون الكلام: لا والله وبلى والله.

على أن التربية الإسلامية توجه المسلمين لأن ينزهوا الله تبارك وتعالى عن أن يجعلوه عرضة لأيمانهم، ولو كانوا صادقين في أقوالهم وبارين متقين؛ قال الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)).

اليمين على نية المستحلف:

فإذا ألزم إنسان بيمين لإثبات أمر أو نفيه، فحلفها الحالف دون أن ينويها في قلبه، أو نوى شيئًا آخر غير الذي استحلف عليه، فلا تعتبر من لغو اليمين، بل هي يمين مقصودة، ولكن الحالف تحايل في نيته، فهو يؤاخذ عليها، ويعتبر فيها قصد المستحلف لا نية الحالف، روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك

وأنه قال أيضًا:

اليمين على نية المستحلف.

فالكذب في مثل هذه اليمين لا ينفع فيه التحايل في النية؛ لأن المحاسبة فيها تكون بحسب نية المستحلف.

لا كفارة لليمين الكاذبة الفاجرة الغموس:

وإن اليمين الكاذبة الفاجرة لا كفارة لها شرعًا، وليس لصاحبها من سبيل إلا باب التوبة، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن،  أي: اتهامه بما لم يفعله.   والفرار يوم الزحف، ويمين صابرة يقتطع بها مالًا بغير حق.

اليمين الصابرة: هي اليمين الغموس.

أما الكفارة فيؤديها من حلف يمينًا عقد قلبه عليها، على أن يفعل شيئًا أو يترك شيئًا، ثم لم يبر بيمينه، فهذا هو الذي تلزمه كفارة اليمين، ليتحلل من التزامه تجاه ربه، قال الله تعالى في سورة (المائدة 5):

(لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُّؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)) .