موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصدق(ب - الصدق في الأفعال)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصدق(ب - الصدق في الأفعال)
204 0

الوصف

                                                               الصدق

                                                        ب - الصدق في الأفعال
                           الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 3- الصدق >>

(ب) الصدق في الأفعال: وكما يكون الصدق والكذب في الأقوال يكونان في الأفعال،
فقد يصدق الناس في تعبيراتهم الفعلية، وقد يكذبون، فإذا كانت تعبيراتهم الفعلية مطابقة في دلالاتها للحقيقة والواقع، فإنها تكون أفعالًا صادقة، وإذا كانت غير مطابقة فإنها تكون أفعالًا كاذبة.

فقد يفعل الإنسان فعلًا يوهم به حدوث شيء لم يحدث، أو يعبر به عن وجود شيء غير موجود، وذلك على سبيل المخادعة بالفعل مثلما تكون المخادعة بالقول، وربما يكون الكذب في الأفعال أشد خطرًا وأقوى تأثيرًا من الكذب في الأقوال.

ومن أمثلة ذلك ما حكاه الله لنا من أقوال وأفعال إخوة يوسف عليه السلام، إذ جاؤوا أباهم عشاءً يبكون بكاءً كاذبًا، وقالوا –كذبًا-: يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب، وجاؤوا على قميص يوسف بدم كذب، فجمعوا بين كذب القول وكذب الفعل، قال الله تعالى في سورة (يوسف 12):

(وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)) .

فبكاؤهم فعل كاذب، قصدوا به التعبير لأبيهم عن حزنهم على يوسف الذي أكله الذئب بزعمهم، وهم الجانون عليه إذ ألقوه في الجب. وقصتهم التي أخبروا عنها قصة مفتراة من عند أنفسهم، والذئب بريء من دم أخيهم، فأقوالهم فيها أقوال كاذبة، وتلطيخهم قميص يوسف بدمٍ شاة ذبحوها ليوهموا به صحة ما زعموه من أكل الذئب له فعل كاذب والدم ليس دم يوسف بل هو دم كذب، وهكذا لفقوا عدة أكاذيب قولية وفعلية ليستروا بها ما جنوه على أخيهم.

ونستطيع أن نعتبر الأعمال التي يقوم بها المراؤون من قبيل الكذب العملي، وأبلغ منها الأعمال التي يعملها المنافقون ليخادعوا بها المؤمنين فهي من قبيل الكذب العملي، وهي مضافة إلى أكاذيبهم القولية التي زعموا فيها أنهم مسلمون مؤمنون موالون.

أما الأعمال الصادقة فهي الأعمال التي تكون دلالاتها التعبيرية مطابقة لما في نفس فاعلها وقلبه، وهي التي ليس بينها وبين ما يخفيه فاعلها في نفسه وقلبه منافاة ولا تعارض.

فالمجاهد في سبيل الله الصادق في جهاده هو الذي يكون عمله ترجمة صادقة لإيمانه، وتكون نيته مطابقة للدلالة التعبيرية التي دل عليها جهاده.

والحركات التعبيرية الصادقة كإشارات اليد والعين والحاجب والرأس هي الإشارات التي تكون دلالاتها مطابقة للواقع والحقيقة، وكم من إشارة فعلية تقوم مقام القول في دلالتها. ومن الإشارات الفعلية ما هو صادق ومنها ما هو كاذب، وما أكثر ما يكذب الناس بإشاراتهم وبأفعالهم، ولعل الكذب في الأفعال أكثر عند الناس من الكذب في الأقوال.

ولما كان الصدق والكذب مما توصف بهما الأقوال والأفعال كان لنا أن نقول: إن كل ذي دلالة مقصودة إما أن تكون دلالته صادقة وإما أن تكون كاذبة، والصادق منها ما وافق الواقع والحقيقة، والكاذب منها ما خالف الواقع والحقيقة.

ولما كان الصدق مطلوبًا من المؤمنين في أقوالهم وأعمالهم أمر الله المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين، فقال تعالى في سورة (التوبة 9):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)) .

والصادقون هم الذين صدقوا في إسلامهم، وصدقوا في إيمانهم، وصدقوا في أقوالهم، وصدقوا في أعمالهم. وصدقهم في أعمالهم يكون في أن يبتغوا بها وجه الله تعالى، وهي بذلك تكون معبرة عن إيمانهم تعبيرًا صادقًا لا رياء فيه ولا سمعة ولا نفاق.