موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها(الظلم ومجالاته)
الوصف
الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها
الظلم ومجالاته
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثاني: الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها >>
الظلم
1- مقدمة
لقسوة القلب المناقضة لخلق الرحمة ظواهر في السلوك أبرزها ظلم الآخرين في حقوقهم، فمن فقد الرحمة فقسا قلبه ظلم غيره، ولم يكترث بآلام من ظلمه.
والإنسان الرحيم قلما يكون ظالمًا، ولئن كان للظلم عوامل نفسية مختلفة فإن تنفيذه لا يكون إلا حينما يكون القلب قاسيًا وتكون الرحمة فيه ناضبة أو غارقة في سبات عميق.
والظلم بمعناه العام قد يكون من ظواهر قسوة القلب بفقدان الرحمة، وقد يكون من ظواهر الانحراف عن الحق، وفقدان خلق حب الحق، أو تناقضه، ومن قسوة القلب عن قبول دعوة الحق.
2- تعريف الظلم
يعرف اللغويون الظلم بأنه: وضع الشيء في غير موضعه.
جاء في أمثال العرب قولهم: "من أشبه أباه فما ظلم" قال الأصمعي: أي فما وضع الشبه في غير موضعه.
وجاء في أمثال العرب قولهم: "ومن استرعى الذئب فقد ظلم" وهذا ظاهر في وضع الشيء في غير موضعه، إذ موضع الذئب الطرد عن قطعان الغنم، لا جعله راعيًا عليها حتى يفتك فيها كما تهوى غريزته.
ويقال لغة: لزم سالك الطريق طريقه فلم يظلمه، لم يعدل عنه ولم يتجاوز حدوده اليمنى واليسرى.
وإنما كان الشرك بالله ظلمًا لأن خصائص الألوهية كلها من حق الله وحده، فمن أسند ما هو لله وحده إلى غيره فقد وضع الأمر في غير موضعه، وجعل لله شريكًا في صفاته التي لا يشاركه فيها أحد في الواقع، ولما كان الأمر يتعلق بحق الله خالق كل شيءٍ كان الظلم فيه أشد أنواع الظلم.
3- المجالات التي يدخل فيها الظلم
إن المجالات التي قد يدخل الظلم فيها كثيرة وواسعة:
(أ) فقد يكون الظلم في مجال حق الله على عباده، من عقيدة أو عبادة، أو طاعة في أمر أو نهي.
(ب) وقد يكون الظلم في مجال حقوق العباد، بتجاوزها أو هضمها.
(ج) وقد يكون الظلم للحقائق الفكرية والعلمية، بتجاوز حدودها، أو بإنكارها وجحودها.
(د) وقد يكون الظلم لأي كائن ذي حياة، وظلم ذي الحياة الذي يستحق الرحمة ويشعر بالألم إنما يفعله ذوو القلوب القاسية، الذين نضبت الرحمة من قلوبهم، أو تخدرت باللذات الأنانية والشهوات المادية، أو غرقت في سبات عميق إذ أبطرتهم النعمة.
(هـ) وقد يظلم الإنسان نفسه، فيغامر في فعل ما يشتهي، ويعرض نفسه لعذاب أليم من وراء ذلك.
وكل ظلم يعاقب عليه الظالم يكون من قبيل ظلم الإنسان لنفسه، بالإضافة إلى كونه ظلمًا لغيره.
وظلم الإنسان لنفسه ظلم مصحوب بجهالة بالغة، إن لم يكن مع الجهالة حماقة ورعونة.
وباتساع وتعدد مجالات الظلم نلاحظ أن منه الكفر بالله والشرك به ومعصيته وتجاوز حدوده، ويدخل في ذلك كتم شهادة الحق، ومنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وأكل أموال الناس بالباطل، والعدوان على أي حق من حقوق الناس، والإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها، والقتل، والسرقة، والغش، والقذف، والغيبة، والإفساد بين الناس، إلى غير ذلك من آثام ومعاصي.