موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرجوع إلى الحق(من الرجوع إلى الحق التوبة إلى الله)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرجوع إلى الحق(من الرجوع إلى الحق التوبة إلى الله)
260 0

الوصف

                                                              الرجوع إلى الحق

                                                    من الرجوع إلى الحق التوبة إلى الله
                        الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 7- الرجوع إلى الحق >>

من الرجوع إلى الحق التوبة إلى الله:

ولا يخفى أن التوبة من الذنوب عمل من أعمال الرجوع إلى الحق، وحث النصوص الإسلامية على التوبة والأوب والإنابة هو حث على الرجوع إلى الحق وعدم التمادي في الباطل، وفي ممارسة التوبة من الذنوب تدريب دائم عليه.

إن بني آدم خطاؤون، كثيرو الانحراف عن سواء السبيل، كلما كبت فيهم الإرادة، وضعفت عن ضبط القيادة، وانحرفت بهم عجلات مركبة الحياة عن سواء سبيل الهداية، لذلك كانوا بحاجة مستمرة إلى تجديد التوبة والإنابة إلى الله، إذ الذنوب والمعاصي تبعدهم عن الله، والتوبة تردهم وترجعهم إليه.

ويستعمل للدلالة على معنى الرجوع إلى طاعة الله ومراقبته بعد معصيته أو التقصير في التقرب منه أو الغفلة عنه؛ كلمات: (تاب – آب – أناب) ومشتقاتها، فيقال: تاب من ذنبه، وآب إلى رشده، وأناب إلى ربه. ولئن كانت هذه الألفاظ تدل على مطلق معنى الرجوع في أصل وضعها إلا أن الاستعمالات القرآنية وغيرها تجعلها خاصة في الرجوع المحمود، والرجوع المحمود هو رجوع إلى الحق، فمن ذلك النصوص التالية:

(وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) ، (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) ، (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ) ، (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ، (إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا) ، (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) ، (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتابًا) ، (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) إلى غير ذلك من النصوص.

وحين نتساءل: لم سمي الإقبال على الله رجوعًا، واستعمل للدلالة عليه كلمات: (تاب – وآب – وأناب) ومشتقاتها؟ بدا لنا في الجواب أن كل أنواع الانحراف الإنساني، إنما هو ابتعاد عن مواقع الفطرة السليمة التي فطر الله الإنسان عليها، وهي مواقع الإيمان والطاعة لله والقرب منه، وهي مواقع التكريم الذي كرم الله به الإنسان منذ خلقه وعلمه وأمر الملائكة بالسجود له. فكل دنوٍ من مواقع هذه الفطرة السليمة بعد الابتعاد عنها هو في حقيقة الأمر رجوع، ولما كان الانحراف عن مواقع الفطرة الأولى للإنسان ابتعادًا إلى جهة المنحدرات فالهاوية السحيقة فنار جهنم بعيدة الغور، كان الرجوع إلى مواقع الفطرة رجوعًا صاعدًا إلى مراتب الكمال الإنساني فمنازل النعيم في دار الخلود، فرضوان من العلي الحميد.

فالرجوع صاعدٌ إلى كل مجد رفيع وعز منيع، والتقدم إلى معاصي الله تقدم في المنحدرات إلى الحضيض السحيق، وهو انتكاس وخزي.

وقد أثنى الله على التوابين والأوابين والمنيبين إليه وهم الرجاعون إلى طاعته، مستغفرين من ذنوبهم التي ينزلقون إليها كلما ضعفت إراداتهم عن مقاومة أهوائهم وشهواتهم، إذ يتيقظون، فيستغفرون، فيؤوبون إلى الله نادمين، عازمين على أن لا يعودوا إلى مواقع الإثم والخطيئة.

وفتح أبواب التوبة للناس من مظاهر الواقعية في الإسلام، وذلك لأن الإنسان عرضة بحسب تكوينه لأحوال الضعف التي ينزلق بها في مزالق المعاصي، وطريق التوبة هو السبيل الوحيد لرجعته إلى سبيل الاستقامة ومواقع التقوى، ولولا فتح باب التوبة لم ينج أحد إلا من عصمه الله بعصمة من عنده، ولذلك دعا الله عباده ليتوبوا إليه، وأعلن أنه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا، وأنه يحب التوابين، وأنه يريد أن يتوب على عباده.

ولولا أن باب التوبة مفتوح لكل العصاة لتحول العاصي الذي ييأس من التوبة والغفران إلى أكبر مجرم طاغ وأخبث شيطان.

شروط قبول التوبة:

ذكر العلماء شروط قبول التوبة ونلخص منها فيما يلي ما تؤيده النصوص:

(أ) إذا كانت التوبة من معصية لا تتعلق بحق إنسان فلقبولها شروط خمسة وهي:

الشرط الأول:
أن يقلع المذنب عن المعصية.

الشرط الثاني:
أن يندم على فعلها.

الشرط الثالث:
أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدًا.

الشرط الرابع:
أن تكون التوبة قبل أن يحضر الموت، فإذا حضر الموت، وبلغت الروح الحلقوم لم تقبل التوبة حينئذ.

الشرط الخامس:
أن تكون التوبة قبل أن تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها أقفل باب التوبة، وكذلك إذا خرج الدجال، أو خرجت دابة الأرض، كما ثبت في الصحيح. وقد جمعت ذلك مما رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

(ب) وإذا كانت التوبة من معصية تتعلق بحق إنسان فلقبولها شرط سادس يضاف إلى الشروط الخمسة السابقة: وهو أن يؤدي لصاحب الحق حقه أو نظير حقه، أو يحصل على مسامحته وعفوه من غير إكراه.

فإذا تعذر عليه أن يسترضي أصحاب الحقوق، صدق في توبته، وسأل الله أن يتولى عنه إرضاءهم، وحين يعلم الله صدق توبته وعجزه عن تأدية الحقوق لأهلها، فإن الله يتولى عنه يوم القيامة إرضاءهم ويغفر له.

وتصح التوبة الصادقة المستوفية لكل شروطها من كل الذنوب مهما كان شأنها فمن صدق في توبته غفر الله له، ولو كانت ذنوبه من أكبر الكبائر، كالكفر بالله، والإشراك به، والقتل، والسرقة، والزنى، وغير ذلك من الذنوب، ما لم تنته مدة الابتلاء بحضور الموت، أو بطلوع الشمس من مغربها، أو بخروج الدجال، أو خروج دابة الأرض.

قال الله تعالى في سورة (النساء 4):

(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآَنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)) .

ففي هذا النص دلالة صريحة وواضحة، على أن الذي يعمل السيئات ويؤخر توبته منها حتى ينتهي أجله، ويحضره الموت، فإذا حضر الموت قال: إني تبت الآن، فإن توبته حينئذٍ لا تصح ولا تقبل.

ولذلك لم يقبل الله إيمان فرعون؛ لأنه لم يقل كلمة الإيمان حتى أدركه الغرق وأيقن بالهلاك، ورأى آية الله بنجاة موسى ومن معه من بني إسرائيل، إن إيمانه حينئذ لم ينفعه، وقال الله له: آلآن وقد عصيت من قبل!! قال الله تعالى في سورة (يونس 10):

(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)) .

وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحالة التي لا تقبل التوبة فيها إذا حضر الموت، أن تكون الروح في حالة النزع وتبلغ الغرغرة، أي: تبلغ الروح الحلقوم.

روى الترمذي وابن ماجه عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.

والدليل على أن باب التوبة يقفل إذا طلعت الشمس من مغربها، عدة نصوص، منها ما رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه.

ومنها ما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها.

وقد أشار القرآن إلى ذلك في قول الله تعالى في سورة (الأنعام 6):

(هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)) .

وقد جاء تفسير ذلك في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بأن باب التوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من مغربها، فإذا ظهرت هذه الآية من آيات الساعة لا ينفع نفسًا إيمانها، إذا لم تكن آمنت من قبل، ولا ينفعها عملها إذا لم تكن كسبت فيما سبق عملًا صالحًا، وعندئذٍ ينقطع قبول الإيمان وقبول العمل الصالح وقبول التوبة، وذلك لأن ظهور هذه الآية من آيات الساعة هو بمثابة حلول الأجل وحضور إنذارات الموت التي ينقطع بها قبول التوبة والإيمان والعمل، إذ تنتهي به مدة الامتحان، وتبدأ أولى مراحل زمن الجزاء.