موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرجوع إلى الحق(مستويات التوبة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرجوع إلى الحق(مستويات التوبة)
249 0

الوصف

                                                               الرجوع إلى الحق

                                                               مستويات التوبة
                          الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 7- الرجوع إلى الحق >>

مستويات التوبة:

لما كانت التوبة رجوعًا إلى الله من مواقع البعد عنه بسبب المعاصي والذنوب، أو المخالفات والتقصيرات، أو الغفلات واشتغال النفس والفكر والقلب بغير مراقبة الله والتفكر فيه، كانت ذات مستويات متفاوتات.

فأدناها
التوبة من الكفر والشرك، وهي توبة ترفع إلى مستوى الإيمان.

وفوقها
التوبة من الكبائر، وهي توبة ترفع إلى بعض درجات التقوى.

وفوقها
التوبة من الصغائر وهي توبة ترفع إلى أعلى درجات التقوى.

وفوقها
التوبة من المكروهات وترك المندوبات، وهي توبة ترفع إلى درجات البر.

وفوقها
التوبة من التقصيرات عن درجات الكمال الإنساني في السلوك، وهي توبة ترفع إلى أعلى درجات الإحسان.

وفوقها
التوبة من الغفلات عن الله والاشتغال بغير مراقبته والتفكر فيه، وهي توبة ترفع إلى مرتبة المقربين.

ولهذه المستويات درجات يرتقي فيها التائبون بحسب ما يكون منهم من توبة إلى الله.

وتوبة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام من مستوى التوبة العليا، واستغفارهم هو من شعورهم بتقصيرهم عن بلوغ أعلى درجاتها، فكلما وجدوا من أنفسهم أي تقصير ينزل بهم عن المرتقى الرفيع الذي ينشدونه تابوا إلى الله واستغفروا وأنابوا، ولذلك ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله ويتوب إليه في كل يوم أكثر من سبعين مرة.

روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه أكثر من سبعين مرة.

وروى مسلم عن الأغر المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة.

وروى مسلم عن الأغر المزني أيضًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

إنه ليغان على قلبي، وإنه لأستغفر الله في اليوم مائة مرة.

"إنه ليغان على قلبي" أصل الغين في اللغة الغيم، ويراد من الغين الذي يعتري القلوب: الحجب الرقيقة المعنوية التي تغشاها، فتجعلها تفتر عن مراقبة الله وذكره، فيكون الاستغفار صارفًا لهذه الحجب التي تشبه السحب، ويكون بمثابة جلاء للقلوب، وعندئذٍ تستقبل القلوب أنوار الله دون أن يكون بينها وبينها حجب تحجبها.

فتوبة الله على رسوله من هذا المستوى، وبها يكتسب الرسول صلى الله عليه وسلم زيادة في القرب، وارتقاء في درجات المرتبة العليا، وعليها يحمل قول الله تعالى في سورة (التوبة 9):

(لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (117)) .

وكذلك كانت توبة موسى عليه السلام، حينما ذهب إلى مناجاة ربه وسأله فقال: رب أرني أنظر إليك، وهو ما قصه الله علينا بقوله في سورة (الأعراف 7):

(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)) .

فقد تاب موسى عليه السلام من طلبه النظر إلى ربه في حياته الدنيا إذ كان الأكمل في حقه أن لا يطلب مثل هذا الطلب، بعد أن اصطفاه بالنبوة والرسالة دون طلب منه.

ومن هذا الباب كانت توبة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فيما قصه الله علينا بقوله في سورة (البقرة 2):

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)) .

وإذا كان هذا حال الرسل فكيف يجب أن يكون حال غيرهم؟

إن من واجب الناس جميعًا أن يكونوا توابين إلى الله؛ لأنهم جميعًا خطاؤون، روى الترمذي وابن ماجه والدارمي بإسناد حسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

ولذلك دعا الله عباده إلى أن يستغفروه ويتوبوا إليه، ودعا الرسل الناس إلى أن يستغفروا ربهم ويتوبوا إليه.

منها قول الله تعالى لرسوله في سورة (فصلت 41):

(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (6)) .

ومنها قول الله تعالى في سورة (المزمل 73):

(وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)) .

ويقص الله علينا في سورة هود أن نوحًا وهودًا وشعيبًا ومحمدًا عليهم الصلاة والسلام طلبوا من أممهم أن يستغفروا ربهم ليغفر لهم.