موسوعةالأخلاق الإسلامية-الانحراف عن الحق(أسباب الانحراف عن الحق)
الوصف
الانحراف عن الحق
أسباب الانحراف عن الحق
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 8- الانحراف عن الحق >>
* وأما الانحراف عن الحق في التطبيقات السلوكية فيرجع إلى أحد سببين:
الأول:
الانحراف عن الحق في المفاهيم الفكرية.
الثاني:
غلبة الأهواء والشهوات ودوافع النفس، على سلطان الإرادة، والانحراف بهذا السبب وحده لا يشكل خطرًا كبيرًا على الحق، ما لم يعم وينتشر وتمتد ظلمته إلى البصيرة، فتغشي عليها، وتطمس عنها وجه الحق فلا تراه.
والمنحرف عن الحق في التطبيقات السلوكية بغلبة الأهواء والشهوات ودوافع النفس، كثيرًا ما يكون صيدًا قريب المنال من أيدي المجرمين الشياطين، الذين يزينون الباطل الخادم لأغراضهم، فيوقعونه في شباكهم، ويسخرونه في سبلهم، ويزينون له الباطل بفلسفاتهم الملونة الخادعة حتى يعتقدها ويؤمن بها ويقاتل من أجلها، وعندئذ يكون أداة طيعة في أيديهم، وسلاحًا من أسلحتهم، وجنديًّا مسخرًا لأهوائهم.
وأكثر جنود الشياطين المجرمين، هم من المنحرفين عن الحق في تطبيقاتهم السلوكية، بغلبة الأهواء والشهوات ودوافع الأنفس، ومن المنحرفين عن الحق في المفاهيم الفكرية، الذين نشأ انحرافهم بسبب خطأ فكري بحت، أو بسبب تقليد أعمى واتباع غير بصير.
أما المنحرفون عن الحق في المفاهيم الفكرية، تأثرًا بأهواء نفوسهم وشهواتها، فهم في الغالب الشياطين المجرمون من البشر، وهم في الغالب قادة حزب الشيطان، ولهؤلاء مكايد كثيرة، قد يستطيعون بها تسخير بعض أصحاب الحق أنفسهم. وطريقتهم أن يبحثوا عن مغامز الضعف في الإنسان، فيضغطوا عليها، أو يمسكوا بها، ثم يسوقونه متدرجين به، من مواطن الضعف فيه، إلى مواقع الخطيئة، ثم إلى مواقع الإثم الكبير، ثم إلى مواقع الفجور، ثم يدفعون به إلى مواقع الانحراف الفكري عن الحق، وعندئذ يهوي هويًّا سحيقًا، فيكون مع المجرمين، جنديًّا من جنودهم، أو قائدًا من قادتهم.
ويمثل الانحراف عن الحق في المفاهيم الفكرية تأثرًا بأهواء النفوس وشهواتها أقصى انحراف خلقي وأعمقه؛ لأن صاحب هذا الانحراف لا يريد رؤية الحق، ولا يسعى في طلبه، ولكنه يحاول جاهدًا أن يجد في المفاهيم الفكرية فلسفة مزينة بالأصباغ والألوان الخادعة، حتى يبرر بها انحرافه، وحتى يستطيع خدع الناس بها، وسوقهم إلى سبل الضلالة، ومن ثم ينتهي به الحال إلى التزام منحرفات فكرية باطلة، وحين لا يجد أية حجة يغالط بها ليطمس وجه الحق، فإنه يلجأ إلى إعلان التكذيب بالحق وادعاء أنه إفك، دون أية حجة يحتج بها، وهذا ما بينه الله من أخلاق الكافرين المعاندين الكابرين، قال الله تعالى في سورة (الأحقاف 46):
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)) .
فهم يكذبون بكتاب الله، ويقذفونه بأنه إفك، لمجرد أنهم لم يهتدوا به ولم يتبعوه، ولا يقدمون أية حجة تؤيد ادعاءهم؛ لأنهم لا يملكون شيئًا من ذلك، وهذا يعبر عن مدى انحرافهم الخلقي الذميم.