موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في القلب(رابعا)
الوصف
الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في القلب
رابعا
الباب الثاني: الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية >> الفصل الرابع: في القلب >>
رابعًا:
وقد يصل إلى دائرة القلب وينفذ إلى داخلها، ما يكون قويًّا شديدًا من انفعالات النفس وعواطفها وأخلاقها، كالرعب، والوجل، والاشمئزاز، والغيظ، والغل، والحب، والكراهية، والشجاعة، والجبن، والرأفة، والرحمة، والحسرة، والميل إلى الطاعة بالتوبة إلى الله، وغير ذلك.
دل على ذلك نصوص كثيرة في القرآن الكريم منها ما يلي:
(أ) ففي الرعب الذي يصل إلى عمق القلب قال الله تعالى بمناسبة الحديث عن معركة أحد في سورة (آل عمران 3):
(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)) .
وقال الله تعالى بمناسبة الحديث عن معركة بدر في سورة (الأنفال 8):
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)) .
وفي شأن يهود بني قريظة، وما كان منهم من مظاهرة الأحزاب، إذ نقضوا عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى في سورة (الأحزاب 33):
(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)) .
من صياصيهم: أي من حصونهم.
وفي شأن يهود بني قينقاع وإجلائهم عن المدينة بعد الذي كان منهم من خيانة ونقض للعهد، قال الله تعالى في سورة (الحشر 59):
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ (2)) .
(ب) وفي الوجل –وهو الخوف- الذي يصل إلى عمق القلب، قال الله تعالى يصف المؤمنين في سورة (الأنفال 8):
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)) .
فدل هذا النص على أن من أوصاف المؤمنين حقًّا أنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، أي: خافت من عظمته وقهره، وهذا عند مقتضيات الخوف من العقاب، وفوق الوجل مرحلة الخشية، وفوق الخشية مرحلة الطمأنينة:
( أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) .
ووصف الله المخبتين –وهم المسلمون لله الخاضعون له- بأنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، فقال تعالى في سورة (الحج 22):
(الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)).
وذكر الله من صفات الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون، أنهم يؤتون ما آتوا من عمل صالح وقلوبهم وجلة –خائفة- أنهم إلى ربهم راجعون، فهو يحاسبهم يومئذٍ ويجازيهم على أعمالهم، فقال الله تعالى في سورة (المؤمنون 23):
(إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)) .
(ج) وفي شدة الخوف الذي ترتفع فيه دائرة القلب من عمق الجسد حتى تبلغ الحناجر، ولا يبقى بينها وبين الموت إلا اللفظة الأخيرة، قال الله تعالى يصف خوف الناس يوم القيامة في سورة (غافر 40):
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)) .
وهي من شدة الخوف يومئذٍ تكون واجفة، أي: شديدة الاضطراب كثيرة الاهتزاز من الخوف، قال الله تعالى في سورة (النازعات 79):
(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)) .
الراجفة: النفحة الأولى. الرادفة: النفخة الثانية. قلوب يومئذ واجفة: أي خائفة شديدة الاضطراب كثيرة الرجفان.
ولا تستمر حالة الخوف هذه يومئذ، بل يرفع الله عنهم الفزع، لإجراء الحساب وتقرير الجزاء، قال الله تعالى في سورة (سبأ 34):
(وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)) .
فزع عن قلوبهم: أي أزيل وجلي الفزع عنها.
وفي موقعة الأحزاب التي اجتمع فيها على المسلمين أحزاب الشرك من العرب، وظاهرهم يهود بني قريظة من داخل المدينة، وصل الخوف لدى كثير من الذين آمنوا إلى مستوىً زاغت به أبصارهم، حتى شعروا بأن قلوبهم بلغت حناجرهم من شدة الخوف، وفي بيان ذلك قال الله تعالى في سورة (الأحزاب 33):
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا (11) ).
وشدة الخوف إذا استمرت ربما قتلت، ففي شأن المنافقين المتآمرين على المسلمين في المدينة، الذين بنوا مسجد الضرار، بالاتفاق مع أبي عامر الراهب، الذي اتفق مع الروم على تدبير مكيدة ضد المسلمين في المدينة، قال الله تعالى في سورة (التوبة 9):
(لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)) .
(د) وفي الاشمئزاز الذي قد يصل إلى دائرة القلب ولا يقف عند حدود دائرة النفس الكبرى، قال الله تعالى يصف قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة في سورة (الزمر 39):
(وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)) .
اشمأزت: نفرت وانكمشت وانقبضت معرضة عن ذكر الله.
(هـ) وفي الغيظ الذي يصل إلى دائرة القلب، قال الله تعالى يحرض الذين آمنوا على قتال عدوهم في سورة (التوبة 9):
(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)) .
(و) وفي الغل الذي يصل إلى دائرة القلب لشدته، قال الله تعالى يصف المؤمنين الذين يؤمنون من بعد المهاجرين والأنصار في سورة (الحشر 59):
(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (10)) .
(ز) وفي عواطف الحب والميل والتواد والتآلف التي تصل إلى القلوب، وفي أضدادها وردت عدة نصوص قرآنية، منها ما يلي:
ذكر الله تعالى أنه ألف بين قلوب المؤمنين، والتأليف إنما يكون بالتواد والتراحم فقال تعالى مخاطبًا رسوله في سورة (الأنفال 8):
(وَإِن يُّرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) ).
وخاطب الله الذين آمنوا بقوله تعالى في سورة (آل عمران 3):
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)) .
وذكر الله تعالى أنه جعل في قلوب الذين اتبعوا عيسى عليه السلام رأفة ورحمة، فقال عز وجل في سورة (الحديد 57):
(وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ... (27)) .
ووصف الله الذين عبدوا العجل من بني إسرائيل بأنهم أشربوا في قلوبهم حب العجل بسبب كفرهم، فقال تعالى يخاطبهم في سورة (البقرة 2):
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُم...)