موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام(8- الإنسان قتور شحيح)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام(8- الإنسان قتور شحيح)
230 0

الوصف

                                                              الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام

                                                                    8- الإنسان قتور شحيح
                                            الباب الثاني: الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية >> الفصل التاسع: في الإنسان بوجه عام >>

8- الإنسان قتور شحيح

وصف الله الإنسان بأنه قتور في أصل فطرته، وبأن الشح حاضر في داخل نفسه، وهذا الوصف في نوع الإنسان هو الوصف الغالب على أفراده، قال الله تعالى في سورة (الإسراء 17):

(قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا (100)) .

قتور: تطلق لغة على الإنسان البخيل الذي يلازمه وصف التقتير على عياله في النفقة، مع أنه يجد لديه ما يوسع به عليهم.

وكلمة (قتور): وصف من صيغ المبالغة، مأخوذ من مادة (قتر). يقال لغة: قتر الرجل على عياله، إذا ضيق عليهم في النفقة، ويقال أيضًا: أقتر وقتر.

وظاهر أن القادر على التوسعة في النفقة لا يقتر على نفسه أو عائلته في النفقة إلا متأثرًا بصفة البخل والشح الذي في نفسه.

وقد دل على أن الشح من الصفات المرافقة للنفس الإنسانية بوجه عام قول الله تعالى في سورة (النساء 4):

(وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ ... (128)) .

أي إن الشح قد أحضر في داخل الأنفس بالتكوين الفطري لها.

الإنفاق: يقال لغة: أنفق الرجل إذا افتقر، أخذًا من معنى نفاد ما عنده من مال، وفناء ما لديه.

فمعنى الآية إذًا: قل: لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي التي لا تنفد إذًا لأمسكتم ولقترتم في البذل منها، خشية نفادها وافتقاركم بسبب ذلك، وكان الإنسان بفطرته قتورًا بخيلًا شحيحًا.

فدل هذا النص القرآني على أن من الصفات الملازمة للإنسان بوجه عام صفة البخل، فهو في بذله قتور، وإقتاره مع سعة ما يملك سببه تخوفه من الفقر، ولو كان هذا التخوف ناشئًا عن وهم كاذب، أو افتراض المستحيل. فلو أنه ملك ما يستحيل نفاده –وهي خزائن رحمة الله- لخشي نفادها وبخل وأمسك، مع أن هذه الخشية لا مبرر لها، إذ هي قائمة على توهم كاذب.

والواقع الإنساني يشهد بوجود هذه الصفة في الإنسان بوجه عام. ألسنا نلاحظ بعض الناس يملكون من المال ما يكفيهم مئات القرون لو عاشوا، ومع ذلك فإنهم يبخلون بما يجب عليهم بذله، ولا مبرر لهذا البخل إلا مخافة الوقوع في الحاجة والفقر، بعد بلوغ مرحلة الثراء الواسع.

العوامل النفسية لتكون هذه الصفة:

ولدى تحليل طيوف النفس الإنسانية لمعرفة العناصر الأساسية التي نجم عنها وجود هذه الصفة في الإنسان، يبدو لنا أن المنابع الأساسية التي ينبع منها حرص الإنسان على امتلاك الأشياء والمحافظة عليها، وعدم التفريط فيها، إلا بعد اجتياز عقبة من عقبات النفس، هي ارتباط حاجات الإنسان في الحياة، وارتباط مطالب نفسه، بالأشياء التي يمتلكها أو يسعى لامتلاكها، سواء أكانت الحاجة إليها مباشرة أو غير مباشرة، عاجلة أو آجلة. فالحاجة إلى شيء ما تولد الشعور بالافتقار إليه، ومع هذا الشعور يتولد السعي لحيازته وامتلاكه، وبعد الامتلاك يأتي الحرص ويصعب التفريط، ويكون البذل عند إلحاح الحاجة بالتقتير، وسبب هذا التقتير الخوف من حاجات المستقبل المرتقبة، أو المحتملة افتراضًا، ويأتي في ذيول ذلك توهم حدوث الحاجة، ولو أن الواقع لا يبرر هذا التوهم.

ومن حاجات النفس حاجات التفاخر بكثرة ما يملك الإنسان، ومن هنا تأتي الرغبة بالتكاثر.

فحاجة الإنسان وشعوره بالافتقار إلى الأشياء هما العنصران الأساسيان المسؤولان عن حرصه وتقتيره وشحه، وبعد تولد هذه الأمور في نفسه تصير هذه الصفات عناصر أساسية مستقلة، سواء رافقها الشعور بالافتقار والحاجة أو لم يرافقها هذا الشعور.

العلاج الإسلامي:

وقد عالج الإسلام تقويم هذه الصفة من صفات الإنسان، فعدل من غلوائها، وكبح من جماحها، إبعادًا لها عن مزالق الشر، وأحسن توجيهها بغية الاستفادة من الخير الذي قد ينجم عنها. ويمكن تلخيص العلاج الإسلامي بما يلي:

لما كان الإنسان في هذه الحياة صاحب حاجات، ومن حاجاته هذه ما يقضي العقل والشرع بتلبيته، ولما كانت حاجاته هذه مرتبطة بالأشياء التي يملكها أو يملك التصرف فيها، والطريق الطبيعي لحيازتها هو السعي الشريف، وحيازة الأشياء تتطلب في الحياة حماية وصيانة، كان المنهج القويم يستدعي أن يشتمل على عدة عناصر:

العنصر الأول:
تكليف الإنسان السعي الشريف لتحصيل ما يحتاجه في حياته، من رزق وكساء، ومسكن ودواء، وغير ذلك من مطالب نافعة.

العنصر الثاني:
حماية ما يحتاج إليه هو أو غيره من التلف أو الفساد أو الضياع؛ لأن الإهمال يجعل الجهد المبذول في التحصيل جهدًا ضائعًا.

العنصر الثالث:
سلوك سبيل وسط عدلٍ في الإنفاق وهذا السبيل الوسط العدل يقع بين متباعدين متضادين لا خير فيهما، هما التبذير والتقتير.

والمنهج المشتمل على هذه العناصر كلها هو منهج الإسلام، والأدلة عليه من النصوص الإسلامية كثيرة.

وقد دل على العنصر الأول قول الله تعالى في سورة (الملك 67):

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)) .

فهذا النص يكلف الإنسان أن يمشي مشيًا رفيقًا شريفًا لتحصيل مطالب حياته.

وقد دل على العنصر الثاني نصوص متعددة، منها قول الله تعالى في سورة (النساء 4):

(وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (5)) .

فهذا النص يدل على وجوب حماية الأموال وصيانتها من التلف والضياع؛ لأن تسليم السفهاء –وهم ناقصو العقل والتدبير- أموالهم يعرض هذه الأموال للتلف فيما لا خير فيه، ولا مصلحة من ورائه.

أما العنصر الثالث فقد عالج الإسلام فيه مرض التبذير الذي قد يصيب بعض الناس بسبب سفاهتهم، ونقص عقولهم، أو استحواذ الشيطان على نفوسهم وأهوائهم، كما عالج مرض الشح والتقتير.

ولكي يلتزم المسلم المنهج الوسط العدل وضع الإسلام له حاجزًا من أيمن الطريق وحاجزًا آخر من أيسره، فأمره بالبذل والإنفاق في الخير، ونهاه عن الإسراف والتبذير وحذره منه.

وقد دل على هذا العنصر نصوص متعددة، منها قول الله تعالى في سورة (الإسراء 17):

(وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلا مَّيْسُورًا (28)) .

فهذا النص يوجه المسلم لالتزام السبيل الوسط العدل، الذي لا إفراط فيه بالتقتير، ولا تفريط فيه بالتبذير.

ولإلزام المسلمين بالمنهج الوسط الذي لا تقتير فيه ولا تبذير، اتخذ الإسلام خطتي علاج:

الخطة الأولى:
الأمر والنهي والنصيحة والبيان، مع الترغيب والترهيب، وهي ما نجده في نصوص كثيرة تنهى عن البخل، وتحذر منه، وتحذر من عقوبته العاجلة والآجلة، وترغب بالإنفاق في وجوه الخير، وتعد على ذلك بالأجر العظيم، والثواب الجزيل.

الخطة الثانية:
تكليف سلطة الحكم الإسلامي محاسبة مخالفي منهج الإسلام، وإلزامهم به:

1- بإكراه مانعي الحقوق على دفع الحقوق التي عليهم، سواء أكانت حقوقًا للأفراد، أو حقوقًا عامة لصندوق الزكاة، أو لبيت مال المسلمين العام، ومن ذلك إلزام القاضي الشرعي الأولياء بتقديم النفقة الواجبة عليهم ضمن حدود استطاعتهم.

2- وبالحجر على السفهاء المبذرين، ووضعهم تحت الولاية، حماية لأموالهم من التبذير، وقد ذكر الفقهاء أن الذي ينفق أمواله في المعاصي والمحرمات مبذر يحجر عليه، ويدخل في عموم السفهاء.