موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية:خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وصفًا وتربية(13- قل: ما أسألكم عليه من أجر)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية:خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وصفًا وتربية(13- قل: ما أسألكم عليه من أجر)
123 0

الوصف

                                                              خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وصفًا وتربية

                                                                  13- قل: ما أسألكم عليه من أجر
                               الباب الثالث: الرسول ذو الخلق العظيم وتربية القرآن له في مجال السلوك الخلقي >> الفصل الأول: خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وصفًا وتربية >>

13- قل: ما أسألكم عليه من أجر

ومما أدب الله به رسوله أن يكون عمله في تأدية رسالته خالصًا لوجه الله تعالى، لا يبتغي به أجرًا من الناس.

وسبق أن قد علمنا أن السلوك الأخلاقي الأمثل هو ما كانت الغاية منه اكتساب مرضاة الله تعالى، أما السلوك الأخلاقي الذي يقصد منه تحصيل الأجر من الناس فهو تجارة مادية عاجلة، وهو لا يعبر عن خلقٍ أصيلٍ ثابتٍ في النفس، وإنما يعبر عن تحرك نفسي أو سلوكي في اتجاه المصلحة العاجلة للنفس، فحيثما وجدت هذه المصلحة –سواء أكانت خيرًا أو شرًا- تحركت النفس وتحرك السلوك، وعندئذٍ يختلط الخير بالشر، وتختلط فضائل الأخلاق برذائلها. أما ربط السلوك الأخلاقي بابتغاء مرضاة الله فهو الذي يجعله من المكارم دائمًا؛ لأن مرضاة الله لا تتحقق إلا بالخير، ولا تكون إلا في الخير.

وبدأ هذا التأديب للرسول مع أول مراحل الرسالة، ومع وصف الله له بأنه لعلى خلق عظيم، إذ أنزل الله عليه قوله في سورة (القلم 68):

(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) .

بنعمة ربك: أي برسالته التي أنعم بها عليك.

وإن لك لأجرًا غير ممنون: أي غير مقطوع، إذ هو أجر خالد في جنات النعيم.

فأبان الله له من طرف خفي أن عليه أن يخلص لله في تأدية الرسالة، وأن له أجرًا على ذلك لا ينقطع عند الله تعالى.

ثم أبان الله له في السورة نفسها، أن الداعي إلى الله من شأنه أن لا يطالب الناس بأجر على هدايته لهم، وإرشاده إياهم إلى منهج سعادتهم، حتى يكون أكثر تأثيرًا فيهم، إذ يشعرون أنه لا غرض له عندهم، وإلا اتهموه بالغرض فضعف تأثيره في نفوسهم، فقال الله تعالى له فيها:

(أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ (46)) .

وجاء هذا على صيغة استنكار تكذيبهم له، مع أنه صلوات الله عليه لم يسألهم أجرًا.

ثم أمره الله تعالى بأن يواجههم بقوله لهم: ما أسألكم عليه من أجر، حتى يقطع ظنونهم وأوهامهم، التي قد تصور لهم أنه طالب دنيا، ملكٍ أو مالٍ، أو زعامة، أو غير ذلك من متاع الحياة الدنيا، فأنزل الله عليه قوله في سورة (ص 38):

(قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)) .

وما أنا من المتكلفين: المتكلف هو الذي يتتبع ما لا يعنيه. والباحث عن الأشياء الغامضة العويصة. والمتتبع للمشقات.

أي ما أسألكم على هذا الأمر الذي أدعوكم إليه وأبذل فيه كل جهدي من أجر قل أو كثر، وما أنا فيه من المتتبعين المتكلفين لما لا يعنيهم، بل أنا مكلف من قبل ربي أن أبلغكم وأرشدكم وأعلمكم وأزكيكم، إن هو إلا ذكرٌ للعالمين، ولتعلمن تحقق أنبائه بعد حين، فلكل نبأ مستقر ينكشف به صدقه إذ يتحقق فيه.

ثم أنزل الله عليه قوله في سورة (الفرقان 25):

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (57)) .

فأمره الله أن يؤكد للناس أنه لا يسألهم على الأمر الذي يقوم به لخيرهم وسعادتهم أي أجر، إلا رضا قلبه وسعادة نفسه بهداية من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلًا يكون فيها من الناجين، ومن أهل جنات النعيم، فهذا من جانبهم يكفيه، أما أجره عند الله فلسوف يعطيه الله حتى يرضيه رضًا تامًا.

ولا يمتنع أن يراد بالاستثناء اتباع الرسول وتعظيمه وتوقيره والصلاة عليه، فهي لمن فعلها سبيل تأخذ بيد سالكها إلى مرضاة الله، فمن اتبع الرسول أحبه الله، ومن عظم الرسول ووقره أثابه الله، ومن صلى على الرسول مرة صلى الله عليه بها عشرًا، وهكذا.

ثم أنزل الله عليه قوله في سورة (يوسف 12):

(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (104)) .

فأبان الله له أن أكثر الناس لا يؤمنون ولو حرص على إيمانهم وهدايتهم، هذا مع أنه لا يسألهم على الأمر الذي يقوم به لخيرهم وسعادتهم من أجر.

ثم أمره الله أن يكرر للناس ويؤكد لهم أنه لا يسألهم على هذا الأمر أجرًا، فأنزل عليه قوله في سورة (الأنعام 6):

(قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)) .

أي موعظة وتذكير بالحق والخير والهداية.

وأصر كثير من قومه على تكذيبه، وعاندوا فلم يهتدوا بهديه، فأنزل الله عليه قوله في سورة (سبأ 34):

(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٍ (47)) .

ففي توجيههم أن يقوموا لله متجردين من عصبياتهم وسوابق أفكارهم مثنى وفرادى، تحريرٌ لهم من أمرين آسرين للنفوس البشرية:

الأمر الأول:
العصبيات وسوابق الأفكار والأهواء والأغراض الخاصة التي تميل بالأفكار عن سواء السبيل، ومنهج الحق والرشاد، وتحرير الأنفس من هذه إنما يكون بأن يقوموا لله.

الأمر الثاني:
الضغط الاجتماعي، والغوغائية الجماعية، والعقل الجمعي الذي تنعدم معه التأملات الفردية الصافية الحرة، وتحرير الأنفس من هذا الأمر إنما يكون بأن يتأمل الباحثون عن الحق مثنى أو فرادى، أما أن يجتمعوا في غوغائية جماهيرية فهذا يفسد صفاء تأملاتهم، ويجعلهم ينساقون انسياقًا ببغاويًّا مع شياطين التضليل فيهم.

وفي قول الله لرسوله بعد ذلك: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ )توجيه إلى تنويع البيان الذي يتضمن أنه لم يطالبهم بأجر في كل المدة السابقة التي جاهد فيها جهادًا صادقًا وهو يدعوهم إلى خيرهم وسعادتهم.

والصيغة التي جاءت في هذا التوجيه تشبه قول الوالد الرحيم بأولاده الخارجين عن طاعته –بعد أن يقدم لهم النصح الذي لا هدف له منه إلا أن يكونوا سعداء في ذات أنفسهم-:

يا أولادي هذا نصحي لكم، ولا أريد منكم جزاءًا ولا شكورًا، وما أعطيتموني من أجر على تربيتي وحبي لكم وبذلي من أجلكم وإخلاصي لكم فخذوه واستردوه. أي لم آخذ منكم شيئًا ولم تعطوني شيئًا، كل ما عندي لكم هو الإخلاص والحب والحرص على سعادتكم.

ثم أنزل عليه قوله في سورة (الطور 52):

(أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ (40)) .

أي إنك لم تسألهم ولا تسألهم أجرًا حتى يجدوا هذا الأجر مغرمًا يستثقلونه، فيصدون من أجل استثقاله عن الاستجابة لك، والإيمان برسالتك وتصديقك فيما تبلغهم عن ربك.

وكل ما سبق كان في العهد المكي.

ثم أنزل الله على رسوله في العهد المدني قوله في سورة (الشورى 42):

(قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... (23)) .

قال ابن عباس: أي إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. وقال: لا أسألكم عليه أجرًا إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم، وتحفظوا القرابة بيني وبينكم.

وروي عنه أيضًا: لا أسألكم على ما آتيكم من البينات والهدى أجرًا إلا أن توادوا الله تعالى، وأن تتقربوا إليه بطاعته.

وروى البخاري عن سعيد بن جبير أنه قال: معنى ذلك أن تودوني في قرابتي، أي تحسنوا إليهم وتبروهم.

وعن زيد بن أرقم أن أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس.