موسوعةالأخلاق الإسلامية-الأمانة(الخيانة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الأمانة(الخيانة)
251 0

الوصف

                                                                 الأمانة

                                                                 الخيانة
                      الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 6- الأمانة >>

الخيانة

من خلال تصورنا للأمانة بأنواعها نستطيع أن نعرف الخيانة بأنواعها، وذلك لأن الخيانة هي ضد الأمانة.

(أ) فإذا نظرنا إلى الأمانة الكبرى التي علقها الله بالإنسان، وهي الأمانة على ما جعل تحت سلطة إرادته من قوى وطاقات، وطلب منه مراعاة حقوقها التي جعلها الله لها، استطعنا أن ندرك أن أي إخلال بحقوق ما استأمننا الله عليه هو خيانة، ولذلك نهى الله عن هذا النوع من الخيانة، كما نهى عن خيانة الأمانات كلها، وذلك في قوله تعالى في سورة (الأنفال 8):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)) .

وقد تضمنت هذه الآية النهي عن خيانة الله، وهي الإخلال بحقوق ما استأمننا عليه، وأعطيناه فيه عهد الأمانة منذ أعلنا الإسلام والتزمنا به.

وتضمنت أيضًا النهي عن خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن حقوقه تابعة لحقوق الله، ومن حقوقه على المؤمنين برسالته اتباع شريعته، وعدم معصية ما أمر به أو نهى عنه.

وتضمنت أخيرًا النهي عن خيانة الأمانات كلها، فتشمل ما يتعلق بحقوق كل ذي حق، نحن مستأمنون عليه. ولا بد أن نلاحظ أن خيانة حقوق خلق الله هي خيانة لهم، وخيانة لله تعالى أيضًا، وذلك لأن من حق الله علينا أن لا نخون أحدًا من خلقه.

ثم إن حقوق الله على عباده ذات مراتب، فما كان منها في المرتبة الأولى التي يكفر الجاحد بها فإن خيانتها من أقبح أنواع الخيانات، أما الحقوق الأخرى التي تتضمن تكاليف عملية في فعل أو ترك، فهذه تتأرجح هي وخيانة حقوق الناس شدة وضعفًا، وبعض كلٍ منهما قد يكون أقبح من بعضٍ آخر. على أن حقوق الله الخالصة مشمولة بكرم الله وعفوه وغفرانه، أما حقوق الناس فمقرونة بشحهم وضيق نفوسهم، وعدل الله هو الذي يحميها، وبناء على ذلك يقول العلماء: حقوق الله مبنية على المسامحة، وحقوق الناس مبنية على المشاحة، إلا حق الإيمان بالله فهو أعظم الحقوق كلها، ولذلك أعلن الله من قواعد الجزاء التي يجازي بها عباده يوم الدين، أنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

(ب) ووصف الله اليهود إلا قليلًا منهم بأنهم أهل خيانة، فقال تعالى لرسوله في سورة (المائدة 5):

(وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ ... (13)) .

فهذه الآية تدل على أن الخيانة من الصفات التي تبرز في اليهود بين حين وآخر، فالخيانة شأنهم وديدنهم، وطريقتهم في معاملة الناس.

فمن خياناتهم محاولتهم اغتيال الرسول وقد كان بينه وبينهم عهد أمان.

ومن خياناتهم تواطؤهم مع الأحزاب، وقد كان بينهم وبين الرسول عهد أمان.

(ج) ولما كان أمر خيانة العهود والمواثيق أمرًا خطيرًا، أمر الله رسوله بأن يعلن للكافرين نبذ عهدهم، ويشعرهم بأن يستعدوا للمواجهة على صعيد سواء لا خيانة فيه ولا غدر، متى خاف الرسول من خيانتهم وغدرهم ومحاولتهم أن يأخذوا المسلمين على حين غرة، بينما هم في عهد أمان مشترك، فقال الله تعالى له في سورة (الأنفال 8):

(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)) .

فالمسلمون يعلنون للكافرين إلغاء عهودهم وينبذونها إليهم متى رأوا أمارات الخيانة والغدر ظاهرة في تصرفاتهم، وذلك حتى لا يستغل عدوهم طيبتهم ووفاءهم فيأخذهم على حين غرة. ولكن لا يجوز للمسلمين أن ينقضوا عهودهم دون سابق إعلام وإنذار، ثم عليهم بعد الإعلام أن يتركوا لعدوهم فرصة يتدبرون بها أمرهم، ويأخذون بها حذرهم واحتياطاتهم، هذا ما لم تكن البادرة من قبل عدوهم، فإن كانت بادرة النقض من قبل العدو فللمسلمين حينئذ أن يقابلوا النقض بالنقض دفاعًا عن أنفسهم.

(د) ولكن ليس لنا إذا تخوفنا من خيانة من دخل في الإسلام تعوذًا من القتل أن نرفض إسلامه ولا نقبله منه، بل نقبل إسلامه، ونعامله معاملة المسلمين تمامًا، ولكن لنا أن نضعه تحت المراقبة الخفية وربما كان هذا واجبًا، يمكّن إهماله الأعداء من المكر وتدبير المكايد، فإن بدا من تصرفاته ما يشعر بأنه يدبر خيانة عاقبناه على أساس أنه مسلم، وعلى قدر خيانته.

روى البخاري ومسلم عن المقداد عن عمرو، أنه قال: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله –(وفي رواية): فلما أهويت لأقتله قال: لا إله إلا الله- أأقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا تقتله

فقال: يا رسول الله، إنه قطع إحدى يدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال.

فقرر الرسول في هذا أن من أسلم عصم دمه إلا بحق الإسلام، وأنه بإسلامه اكتسب كل حقوق المسلم، وأنه ليس لمسلم أن يقاتله على اعتبار أنه كافر تظاهر بإعلان الإسلام فرارًا من القتل، فمن قتله من المسلمين بعد أن سمع منه كلمة الشهادة فهو قاتل لمسلم، وهو يستحق النار بقتله ظلمًا وعدوانًا.

ويؤكد هذا ما رواه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أناس من جهينة، فأتيت إلى رجل منهم فذهبت أطعنه، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فقتلته، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال:

أقتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله،

قلت: يا رسول الله إنما فعل ذلك تعوذًا (أي: ليحمي نفسه من القتل) قال:

فهلا شققت عن قلبه.

وفي رواية عند مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟

قاله مرارًا.

ويفهم من هذا التأنيب الشديد.

قد يقال: إن هذه السياسة قد تعرض المسلمين لورطات خطيرة، بسبب أن أعداءهم قد يخادعونهم بما يتظاهرون به، والجواب على ذلك بأنهم إذا صدقوا مع الله فإن الله سيمكنهم من الذين يريدون خيانتهم ومخادعتهم، وهذا ما طمأن الله به رسوله في شأن الأسرى الذين أسلموا في ظروف الأسر، فقال له في سورة (الأنفال 8):

(وَإِن يُّرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)) .

ولكن ليس معنى حماية من أسلم ونحن نظن أنه قد أسلم نفاقًا أن نسلمه قيادة إسلامية، أو أن نأمنه أمنًا كاملًا، بل الواجب أن نكون على حذر كامل ويقظة تامة منه، وإن أعطيناه حقوقه الإسلامية العامة.

(هـ) من قصص الخيانة قصة جرت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فكشفها الله، وأنزل فيها قرآنًا، وخلاصة هذه القصة فيما يلي:

كان طعمة بن بشير بن أبيرق بن مسلمة الأنصار، وكان بشير أبو طعمة هذا من المعروفين بالنفاق، قالوا: فنقب طعمة جدارًا لرفاعة بن زيد وسرق له درعين ودقيقًا، وكان في جراب الدقيق خرق فجعل ينتثر منه الدقيق، وكان ذلك أثرًا ماديًّا دل على اللصوص. وعرف رفاعة بن زيد وأهله أن بني أبيرق هم الذين سرقوا الدرعين والدقيق، فجاء قتادة بن النعمان ابن أخي رفاعة بن زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه بني أبيرق وما كان منهم من سرقة، وشاع أمر بني أبيرق في المدينة، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن عروة بن أبيرق، فقال يا رسول الله: إن هؤلاء قد عمدوا إلى أهل بيتٍ هم أهل صلاح ودين، فاتهموهم بالسرقة، ورموهم بها من غير بينة، وأخذ يجادل عن ذويه.

فتنكر الرسول صلى الله عليه وسلم لقتادة بن النعمان ورفاعة بن زيد؛ لأنهم قد اتهموا بني أبيرق دون بينة، فأنزل الله عليه ما بين له فيه خيانة اللصوص، ونهاه عن أن يدافع عنهم، أو يجادل لتبرئتهم، فهم مدينون بالخيانة، لا سيما وأمارتها تشير إليهم.

ثم لم يقتصر أمر بني أبيرق على إنكار ما كان منهم من جناية، وإنما رموا بها بريئًا فألصقوا به التهمة، وهذا البريء هو لبيد بن سهل، إذ قال بنو أبيرق: لسنا السارقين، ولكن السارق لبيد بن سهل. فلما أنزل الله ما أنزل، وبرأ لبيدًا من التهمة، هرب السارق من بني أبيرق إلى مكة، ثم هرب إلى خيبر، ثم إنه نقب بيتًا ذات ليلة ليسرق، فسقط الحائط عليه فمات.

أما الآيات التي نزلت بصدد هذه الحادثة، فهي قول الله تعالى لرسوله في سورة (النساء 4):

(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (106) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) وَمَن يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113))