مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن ( ٥ - استبعاد المطولات التى قد تحجب نور القرآن)
الوصف
من مفاتيح التعامل مع القرآن
٥ - استبعاد المطولات التى قد تحجب نور القرآن
وهذا متمم للسابق ومكمل له، فإن من لوازم المحافظة على جو النص القرآنى، أن لا يلتفت إلى المطولات التى قد تخرجه من هذا الجو، وتحجب عنه أنوار القرآن وموحياته وتوجيهاته .. إن هذه المباحث الكثيرة فى كتب التفسير وضعها السادة المفسرون من أجل «تثقيف» القارئ للتفسير، وتزويده بأكبر قدر من هذه الثقافة، هم فعلوا هذا بمقصد نبيل ونية حسنة، وهم مأجورون عند الله إن شاء الله، ولقد استفاد القراء من كثير منها وأضافوا إضافات إلى رصيدهم الثقافى التفسيرى .. ولا مانع أن يقبل على هذه المطولات والمباحث والمشكلات والقضايا بعض المتخصصين فى التفسير، بين الحين والآخر فى فترات متباعدة .. لكن أن يعود إليها دارسو التفسير جمعيا، وقارئو القرآن، وأن تكون هذه المطولات المختلفة هى الهدف من الدراسة والقراءة، والغرض من النظر فى القرآن، والثمرة التى تجنى من الحياة معه، فهذا حاجز يحجزهم عن القرآن، وحاجب يحجب عنهم نوره وهداه .. لن يضير قارئ القرآن ودارسه شيئا لو لم يطلع على هذه المطولات أصلا، ولم يفته شيء من هدى القرآن وكنوزه لو لم يعرف عنها شيئا، ولن ينقص علمه بالقرآن لو لم يتعامل معها مطلقا.
إننا نكاد نطالب قارئ القرآن أولا أن يقتصر عليه، ونطلب منه أن يستبعد المباحث والاستطرادات التى ذهب إليها دارسو القرآن ومفسروه من السابقين.
وهذه المطولات والمباحث مختلفة: منها النحوية المتعلقة باختلافات النحويين فى وجوه إعراب الكلمات القرآنية، ونقاشاتهم وترجيحاتهم ..
ومنها البلاغية المتعلقة بالكلمة القرآنية ومعانيها واشتقاقاتها والخلافات والترجيحات فيها .. ومنها الفقهية المتعلقة باختلافات الفقهاء فى الأحكام الفقهية المستنبطة من النص وردودهم وأدلتهم وتوجيهاتهم .. ومنها الأثرية المتعلقة بنزول الآيات وأسبابها وزمانها ومكانها والأقوال المأثورة المتعارضة عن السابقين فى تفسيرها .. ومنها القصصية المتعلقة بقصص القرآن وحديثه عن السابقين، والخلافات فى تحديد القصة أو زمانها أو أبطالها وتفصيلاتها وأحداثها ومجرياتها .. إلى غير ذلك من الأساطير والإسرائليات والخرافات.
إذا قرأ قارئ قوله تعالى: (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١)) [البقرة: ٣٠ - ٣١]، فليبق فى جو هذه الآيات التى تعرض قصة آدم، ليتلقى إيحاءاتها .. ولا يخرج إلى مباحث مطولة واستطرادات مرفوضة قام بها بعض السابقين، تشغل هذا القارئ عن معايشة النصوص، وتحجب عنه أنواره: لا يهتم بالاختلاف فى اشتقاق كلمة «الملائكة» والنقاش بين الآراء المختلفة فيه، ولا يذهب إلى تيه التأويلات الافتراضية حول كيفية قول الله لملائكته، وجوابهم عليه، ومعرفتهم أو توقعهم الإفساد وسفك الدماء من نسل هذا الخليفة وأدلتهم على ذلك، وتفاصيل ما جرى بعد ذلك بين آدم وإبليس، ومكان الجنة التى جرت فيها هذه القصة .. ولا يستطرد إلى الحديث عن العلم وشروطه وألوانه وفضله .. وغير ذلك.
إذا قرأ القارئ قصة ابني آدم فى سورة المائدة [٢٧ - ٣٢] فلا يقع تحت تأثير الاستطراد والتفصيل والخبط بلا دليل، الذى أتى به سابقون من المفسرين، فى افتراض تفصيلات للقصة لا تقوم على أصل، ولم يرد بها نص موثوق.
إذا قرأ الآيات التى تعرض أحكام الصيام فى البقرة [١٨٣ - ١٨٧] أو تلك التى تقرر أحكام القتل وأنواعه وكفارته فى النساء [٩٢ - ٩٣] أو التى تتحدث عن الذبائح والتسمية عليها فى الأنعام [١١٨ - ١٢١] أو التى تتحدث عن حد الزنا والقذف واللعان فى سورة النور [١ - ١٠]، إذا قرأ هذه الآيات وغيرها من آيات الأحكام، فليبق عند جو النص القرآنى لا يغادره إلى استطرادات الفقهاء حولها. ولا يحول نظره فى الآيات وتدبره فيها إلى موسوعة فقهية مذهبية، وإلى معركة جدلية بين الآراء والأقوال المتعارضة .. وليترك هذه للمتخصصين من الفقهاء فى الدراسات الفقهية، وليحقق هو فى نفسه ومن حوله أغراض القرآن، التى ليس من بينها قطعا الاستطراد والتوسع والتفصيل والتطويل.