مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن (٢٢ - ملاحظة الشخصية المستقلة للسورة)

مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن (٢٢ - ملاحظة الشخصية المستقلة للسورة)

الوصف

                                                     من مفاتيح التعامل مع القرآن

                                               ٢٢ - ملاحظة الشخصية المستقلة للسورة

القرآن الكريم وحدة موضوعية متكاملة، ولو كان من عند غير الله لكان فيه اختلاف كبير، وهو كله متناسق جميل فى صياغته فى جمله وعباراته وكلماته، كما أنه متناسب مترابط فى موضوعاته ومعانيه، فالتناسب والتناسق والوحدة فى كل سورة من سوره، وفى كل درس من دروسها، وفى كل مقطع من مقاطعها، وفى كل آية من آياتها، وفى كل كلمة من كلماتها .. إنه بنيان قرآنى متماسك متناسق متصل معجز .. إنه أشبه ما يكون- من باب التقريب والتوضيح- بعمارة رائعة، يلحظ التناسق والانسجام فيها من بعيد، كما يدرك ذلك عند ما ينظر فى كل دور من أدوارها، وفى كل شقة من شقق ذلك الدور، وفى كل حجرة من حجرات تلك الشقة، وفى كل جدار من جدران الحجرة، وفى كل لبنة من لبنات الجدار .. وهكذا القرآن فى عمومه، ثم فى كل سورة منه، ثم فى كل درس من دروسه، ثم فى كل مقطع من مقاطعه، ثم فى كل آية من آيات المقطع، ثم فى كل كلمة من كلمات الآية ..

والقارئ البصير مطالب أن يلتفت إلى الوحدة الموضوعية للقرآن وللسورة منه، وأن يلحظ التناسق والتناسب والارتباط بين الدروس والمقاطع، وأن يتعامل مع السورة على أنها وحدة موضوعية متكاملة متجانسة، وأن يتعامل معها على أن لها شخصية مستقلة متميزة متفردة، شخصية تربط موضوعها الرئيسي بموضوعات دروسها ومقاطعها، بخيوط دقيقة متينة يلحظها المتدبر البصير .

يقول سيد قطب: «ومن ثم يلحظ من يعيش فى ظلال القرآن أن لكل سورة من سوره شخصية مميزة! شخصية لها روح يعيش معها القلب كما لو كان يعيش مع روح حى مميز الملامح والسمات والأنفاس! ولها موضوع رئيسي أو عدة موضوعات رئيسية مشدودة إلى محور خاص! ولها جو خاص يظلل موضوعاتها كلها، ويجعل سياقها يتناول هذه الموضوعات من جوانب معينة. تحقق التناسق بينها وفق هذا الجو. ولها إيقاع موسيقى خاص- إذا تغير فى ثنايا السياق فإنما يتغير لمناسبة موضوعية خاصة .وهذا طابع عام فى سور القرآن جميعا .. » [الظلال ١/ ٢٨].

ويقول فى تقديمه لسورة الأعراف «إن كل سورة من سور القرآن ذات شخصية متفردة، وذات ملامح متميزة، وذات منهج خاص، وذات أسلوب معين، وذات مجال متخصص فى علاج هذا الموضوع الواحد، وهذه القضية الكبيرة .. إنها كلها تتجمع على الموضوع والغاية ثم تأخذ بعد ذلك سماتها المستقلة، وطرائقها المتميزة ومجالها المتخصص فى علاج هذا الموضع، وتحقيق هذه الغاية ..

إن الشأن فى سور القرآن- من هذه الوجهة - كالشأن فى نماذج البشر التى جعلها الله متميزة .. كلهم إنسان، وكلهم له خصائص الإنسانية، وكلهم له التكوين العضوى والوظيفى الإنسانى .. ولكنهم بعد ذلك نماذج منوعة أشد التنويع .. نماذج فيها الأشباه القريبة الملامح، وفيها الأغيار التى لا تجمعها إلّا الخصائص الإنسانية العامة ..

هكذا عدت أتصور سور القرآن، وهكذا عدت أحسها، وهكذا عدت أتعامل معها. بعد طول الصحبة، وطول الألفة، وطول التعامل مع كل منها وفق طباعه واتجاهاته، وملامحه وسماته!» [الظلال ٣/ ١٢٤٣].

وعلى القارئ أن يسير مع القرآن كما سار سيد قطب، وأن يتعامل مع سوره كما تعامل سيد قطب، وأن يتخذ كل واحدة منها صديقا وحبيبا ومؤنسا وودودا كما فعل سيد قطب .. عندها سيقف على الشخصية المستقلة للسورة وسيحسن الربط بين آياتها وموضوعاتها، وسيلحظ الخيوط الدقيقة المتينة فيها، وسيتزود بزاد عظيم من معانيها وحقائقها.