مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن (٢٠ - الاستعانة بالمعارف والثقافات الحديثة)
الوصف
من مفاتيح التعامل مع القرآن
٢٠ - الاستعانة بالمعارف والثقافات الحديثة
سبق أن تحدثنا عن أمر ضرورى للتعامل مع القرآن، والوقوف على معانيه وحقائقه وعلومه وكنوزه، وهو ملاحظة البعد الواقعى للآيات، كما تحدثنا عن أمر آخر ضرورى وهو «توسيع التفسير» وثالث وهو: «تحرير النصوص من قيود الزمان والمكان» .. وحتى ينجح القارئ البصير فى تحقيق تلك الأمور، وفى استعمال تلك المفاتيح، فلا بدّ أن يستعين بالعلوم والمعارف والثقافات الحديثة، وأن يلم منها بطرف موجز، وأن يطلع منها على مسائل وقضايا ذات ارتباط بآيات القرآن .. وذلك حتى يوظف هذه العلوم والمعارف فى خدمة النص القرآنى وتوسيعه وزيادة أبعاده ودلالاته ..
ومعلوم أن «الخلفية الثقافية» للقارئ وسيلة نافعة لتعامله مع القرآن، وأن حصيلته من المعارف والثقافات المعاصرة تعينه على سعة نظرته إلى الآية وتلقيه عنها وحياته بها .. ولا يتعارض هذا مع ما بيناه فى قاعدة سابقة من اشتراط دخوله عالم القرآن بدون مقررات سابقة، لأن اشتراط إلقاء المقررات والأفكار على عتبة القرآن حتى لا تحجبه عن تدبره أو تقوده إلى خطأ التعامل معه .. لا يعنى أن ينخلع القارئ من معلوماته وأن ينسلخ من ثقافاته، وأن يزيل علومه ومعارفه .. إن هذه كلها تضر إذا جعلها حاكمة على القرآن، فتحجب عنه أنواره، لكنها تنفع إذا جعلها خادمة للقرآن تابعة له يستعين بها على توسيع معانيه وتكثيرها وزيادتها، عندها ستكون وسيلة نافعة وأداة طيعة .. وهذا ما نقصده منها هنا ..
على القارئ أن يلم بعلم «التاريخ» ومراحله وعصوره، وأن يستعين بذلك فى تفسير الآيات ذات البعد التاريخى والتوجيهات التاريخية، مثل قوله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧)) [آل عمران: ١٣٧]، وقوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)) [الحج: ٤٦].
وعليه أن يلم بعلم الفلك، ويستعين به فى فهم وتدبر الآيات ذات التوجيهات الفلكية، والتى تلفت الأنظار فى السماء وأفلاكها، كما فى قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧)) [الأنعام: ٩٧]، وفى قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [الإسراء: ١٢].
وأن يلم بالموضوعات العلمية المختلفة، كالطب وعلم الأجنة ليستعين به فى تدبر وتفسير مثل قوله تعالى: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [الزمر: ٦]، وعلم البحار لقوله تعالى:
(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢)) [الرحمن: ١٩ - ٢٢]، وعلم طبقات الأرض لقوله تعالى: (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧)) [فاطر: ٢٧]. وعلم الفضاء لقوله تعالى: (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧)) [الذاريات: ٤٧]، وغير ذلك.
كما أن عليه أن يلم بمسائل علم النفس التحليلى الصائبة، وحالات النفس الإنسانية ومشاعرها وميولها، ليفسر بها تربص المعتدة (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)[البقرة: ٢٢٨]، ويدرك سر الأمر بقضاء عدتها فى بيت زوجها وإضافة البيت لها وهى المطلقة: (وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)[الطلاق: ١] وليفسر بها مراحل سقوط الساقط فى مصائد الشيطان واستجابته لزخارفه (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣)) [الأنعام: ١١٣].