ماذا يحب الله ورسوله-مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس (يحب الله المتقرب إليه بالنوافل)

ماذا يحب الله ورسوله-مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس (يحب الله المتقرب إليه بالنوافل)
267 0

الوصف

                                                    مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس

                                                      يحب الله المتقرب إليه بالنوافل

يحب الله المتقرب إليه بالنوافل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته".

المتقرب إلى الله بالنوافل:
المتقرب إلى الله بالنوافل هو الذي يؤدي الفرائض التي افترضها الله تعالى عليه، كالصلاة، والزكاة، والصيام، وغيرها، ويزيد عليها بالنوافل، أي؛ التطوع من صلاة، وصيام، وصدقة وغيرها، ويداوم على الإتيان بها.

إن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله تعالى، والأمر بها جازم، ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الأمرين وإن اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل؛ فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد تقريبًا، والفرض كالأصل والأس، والنفل كالفرع والبناء، وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية، فكان التقرب بذلك أعظم العمل، والذي يؤدي الفرض قد يفعله خوفًا من العقوبة ومؤدي النفل لا يفعله إلا إيثارًا للخدمة فيجازى بالمحبة التي هي غاية مطلوب من يتقرب بخدمته.

وفي الحديث عظم قدر الصلاة فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها؛ وذلك لأنها محل المناجاة والقربة، ولا واسطة فيها بين العبد وربه، ولا شيء أقر لعين العبد منها؛ ولهذا جاء في الحديث

"وجُعلَتْ قرة عيني في الصلاة"،

ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود ألا يفارقه ولا يخرج منه؛ لأن فيه نعيمه وبه تطيب حياته، وإنما يحصل ذلك للعابد بالمصابرة على النصب، فإن السالك غرض الآفات والفتور... وهذا الحديث أصل في السلوك إلى الله والوصول إلى معرفته ومحبته وطريقه، إذ المفترضات الباطنة وهي الإيمان، والظاهرة وهي الإسلام، والمركب منهما وهو الإحسان فيهما كما تضمنه حديث جبريل، والإحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والإخلاص والمراقبة وغيرها، وفي الحديث أيضًا أن من أتى بما وجب عليه وتقرب بالنوافل لم يرد دعاؤه لوجود هذا الوعد الصادق المؤكد بالقسم... وفيه أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات حتى يكون محبوبًا لله لا ينقطع عن الطلب من الله لما فيه من الخضوع له وإظهار العبودية.

وقوله

"يتقرب إليَّ"

التقرب طلب القرب، وقيل: قرب العبد من ربه يقع أولًا بإيمانه، ثم بإحسانه. وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه، وفي الآخرة من رضوانه، وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه. ولا يتم قرب العبد من الحق إلا ببعده من الخلق. وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس، وباللطف والنصرة خاص بالخواص، وبالتأنيس خاص بالأولياء.

فمن صلى النوافل مع الفرائض يصير أحب إلى الله، فإذا أحب الله عبده شغله بذكره وطاعته وحفظه من الشيطان، واستعمل أعضاءه في الطاعة، وحبب إليه سماع القرآن والذكر، وكره إليه سماع الغناء وآلات اللهو وصار من الذين قال الله تعالى في حقهم:( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) وقال تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا) فإذا سمعوا منهم كلامًا فاحشًا أضربوا عنه وقالوا قولًا يسلمون فيه، وحفظ بصره عن المحارم فلا ينظر إلى ما لا يحل له، وصار نظره نظر فكر واعتبار، فلا يرى شيئًا من المصنوعات إلا استدل به على خالقه، وقال علي رضي الله عنه:

"ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله تعالى قبله".

ومعنى الاعتبار العبور بالفكر في المخلوقات إلى قدرة الخالق، فيسبح عند ذلك ويقدس ويعظم وتصير حركاته باليدين والرجلين كلها لله تعالى، ولا يمشي فيما لا يعنيه ولا يفعل بيده شيئًا عبثًا، بل تكون حركاته وسكناته لله تعالى. فيثاب على ذلك في حركاته وسكناته وفي سائر أفعاله.

وقوله

"بالنوافل حتى أحبه"

ظاهره أن محبة الله تعالى للعبد تقع بملازمة العبد التقرب بالنوافل، والمراد من النوافل ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها... وقيل إن معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على إتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرها أفضى به ذلك إلى محبة الله تعالى... وأيضًا فقد جرت العادة أن التقرب يكون غالبًا بغير ما وجب على المتقرب كالهدية والتحفة بخلاف من يؤدي ما عليه من خراج أو يقضي ما عليه من دين. وأيضًا فإن من جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض.. فتبين أن المراد من التقرب بالنوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها، كما قال بعض الأكابر: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور.

قوله

"كنت سمعه الذي يسمع به"

إلخ، قد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره إلخ؟ والجواب من أوجه: أحدها: أنه ورد على سبيل التمثيل، والمعنى كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري، فهو يحي طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح. ثانيها: أن المعنى كليته مشغولة بي فلا يصغى بسمعه إلا إلى ما يرضيني، ولا يرى ببصره إلا ما أمرته به. ثالثها: أن المعنى أجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره إلخ. رابعها: كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه. خامسها: أن المعنى كنت حافظ سمعه الذي يسمع به، فلا يسمع إلا ما يحل استماعه، وحافظ بصره كذلك إلخ.

سادسها: أن المعنى لا يسمع إلا ذكري، ولا يلتذ إلا بتلاوة كتابي، ولا يأنسإلا بمناجاتي، ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي، ولا يمد يده إلا فيما فيه رضاي ورجله كذلك.. وقيل: اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته.. وقال الخطابي: هذه أمثال والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله.. سابعها: قال الخطابي أيضًا: وقد يكون عبر بذلك عن سرعة إجابة الدعاء والنجح في الطلب، وذلك أن مساعي الإنسان كلها إنما تكون بهذه الجوارح المذكورة.