ماذا يحب الله ورسوله-مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس (يحب الله الكرماء والجودة)
الوصف
مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس
يحب الله الكرماء والجودة
يحب الله الكرماء والجودة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجودة".
الكرم والجود والسخاء:
الكرم والجود والسخاء هو بذل ما يُقتنى بغير عوض، وضده البخل الذي هو منع ما يُطلب مما يُقتنى، ولا يقال للرجل كريم حتى يظهر ذلك منه، ولما كان أكرم الأفعال ما يُقصد به أشرف الوجوه، وأشرفها ما يُقصد به وجه الله تعالى، وإنما يحصل ذلك من المتقي – قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الحسب: المال. والكرم: التقوى".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: مَن أكرم الناس؟ قال:
"أكرمهم أتقاهم".
فأكرم الناس من اتقى الله، والكريم: التقي. والكريم لا يكون حقودًا ولا حسودًا، ولا شامتًا، ولا باغيًا، ولا ساهيًا، ولا لاهيًا، ولا فاجرًا، ولا فخورًا، ولا كاذبًا، ولا ملولًا، ولا يقطع إلفه، ولا يؤذي إخوانه، ولا يضيع الحفاظ، ولا يجفو في الوداد، يعطي من لا يرجو، ولا يأمن من لا يخاف، ويعفو عن قدرة، ويصل عن قطيعة.. الكريم يلين إذا استعطف، ويُجل الكرام، ولا يهين اللئام، ولا يؤذي العاقل، ولا يمازح الأحمق، ولا يعاشر الفاجر، مؤثرًا إخوانه على نفسه باذلًا لهم ما ملك، إذا اطلع على رغبة من أخ لم يدع مكافأتها، وإذا عرف منه مودة لم ينظر في قلق العداوة، وإذا أعطاه من نفسه الإخاء لم يقطعه بشيء من الأشياء.. إن كرام الناس أسرعهم مودة، وأبطؤهم عداوة. الكريم مَن أعطاه شَكره، ومَن منعه عَذره، ومن قطعه وصله، ومن وصله فضله، ومن سأله أعطاه، ومن لم يسأله ابتدأه، وإذا استضعف أحدًا رحمه، وإذا استضعفه أحد رأى الموت أكرم له منه.. الكريم يحسن الذكر، ويشرف القدر، محمود الأثر في الدنيا، مرضى العمل في العقبى، يحبه القريب والقاصي، ويألفه المتسخط والراضي، يفارقه الأعداء واللئام، ويصحبه العقلاء والكرام.
والسخاء من أخلاق الأنبياء عليهم السلام وهو أصل من أصول النجاة، وقد
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس"،
وأرفع درجات السخاء الإيثار. فالسخاء عبارة عن بذل ما لا يحتاج إليه لمحتاج أو لغير محتاج، أما الإيثار فهو أن يجود بالمال مع الحاجة، والبذل مع الحاجة أشد. وليس بعد الإيثار درجة في السخاء، وقد أثنى الله – عزَّ وجلَّ – على الصحابة رضي الله عنهم فقال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)
فالإيثار هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية، ورغبة في الحظوظ الدينية. وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة. ومن يفعل ذلك فقد وقى شُحَّ نفسه وأفلح فلاحًا لا خسارة بعده. والإيثار بالنفس فوق الإيثار بالمال وإن عاد إلى النفس. ومن الأمثال السائرة:
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وأفضل الجود بالنفس الجود على حماية الدين وكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والجهاد لجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا. قيل: أجود الناس في الدنيا من جاد بحقوق الله، وإن رآه الناس بخيلًا بما سوى ذلك.
وقيل: إن الجود عشر مراتب: الجود بالنفس، الجود بالرياسة، الجود بالراحة والرفاهية وإجمام النفس، الجود بالعلم وبذله، الجود بالنفع بالجاه، الجود بنفع البدن على اختلاف أنواعه، الجود بالعرض، الجود بالصبر والاحتمال والإغضاء، الجود بالخُلق والبشر والبسطة، الجود بترك ما في أيدي الناس عليهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الصدقة جهد المقل"؛
والمقل هو الفقير الصابر على الجوع القليل المال؛ وهذا المقام أعلى من حال( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) و (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه، ومن هذا المقام تصدق أبو بكر الصديق رضي الله عنه بجميع ماله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟" فقال: أبقيت لهم الله ورسوله.
أما الجود فقد قيل إنه عطاء بلا من وإسعاف من غير روية. وقيل: الجود عطاء من غير مسألة على رؤية التقليل. وقيل: الجود السرور بالسائل والفرح بالعطاء لما أمكن. وقيل: الجود عطاء على رؤية أن المال لله تعالى والعبد لله – عزَّ وجلَّ – فيعطى عبد الله مال الله على غير رؤية الفقر. وقيل: من أعطى البعض وأبقى البعض فهو صاحب سخاء، ومن بذل الأكثر وأبقى لنفسه شيئًا فهو صاحب جود، ومن قاسى الضر وآثر غيره بالبلغة فهو صاحب إيثار، ومن لم يبذل شيئًا فهو صاحب بخل. وقيل: الجود وسط بين الإسراف والإقتار وبين البسط والقبض كما قال تعالى: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)
وقيل: السخي هو الذي لا يمنع واجب الشرع كالزكاة والنفقة على الأهل والعيال، ولا واجب المروءة وهو ترك المضايقة في الدقائق مع من لا تحسن المضايقة معه، فإن منع واحدًا منها فهو بخيل، ولكن الذين يمنع واجب الشرع أبخل.. فمن أدى واجب الشرع وواجب المروءة اللائقة به فقد تبرأ من البخل. نعم لا يتصف بصفة الجود والسخاء ما لم يبذل زيادة على ذلك لطلب الفضيلة ونيل الدرجات، فإذا اتسعت نفسه لبذل المال حيث لا يوجبه الشرع ولا تتوجه إليه الملامة في العادة فهو جواد بقدر ما تتسع له نفسه من قليل أو كثير. ودرجات ذلك لا تحصر وبعض الناس أجود من بعض، فاصطناع المعروف وراء ما توجبه العادة والمروءة هو الجود، ولكن بشرط أن يكون عن طيب نفسه ولا يكون عن طمع ورجاء خدمة أو مكافأة أو شكر أو ثناء، فإن مَن طمع في الشكر والثناء فهو بياع وليس بجواد، فإنه يشتري المدح بماله والمدح لذيذ وهو مقصود في نفسه، والجود هو بذل الشيء من غير عوض. هذه هي الحقيقة ولا يتصور ذلك إلا من الله تعالى، أما الآدمي فاسم الجود عليه مجاز إذ لا يبذل الشيء إلا لغرض، ولكنه إذا لم يكن غرضه إلا الثواب في الآخرة أو اكتساب فضيلة الجود وتطهير النفس عن رذالة البخل فيسمى جوادًا.