ماذا يحب الله ورسوله-ما يكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور (يكره النبي صلى الله عليه وسلم تزكية النفس)
الوصف
ما يكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور
يكره النبي صلى الله عليه وسلم تزكية النفس
يكره النبي صلى الله عليه وسلم تزكية النفس
عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لا يقولن أحدكم إني قمت رمضان كله أو صمته»
قال: فلا أدري أكره التزكية أم لا؟ فلا بد من غفلة أو رقدة.
فالنهي ليس راجعًا إلى ذكر رمضان بلا شهر وإنما هو راجع إلى نسبة الصوم إلى نفسه فيه كله مع أن قبوله عند الله تعالى في محل الخطر، قال قتادة وغيره: خشي على أمته التزكية.
تزكية النفس:
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يزكي الإنسان نفسه، قد نهى الله ورسوله عن تزكية النفس فقال تعالى: (فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم»
فنهى الله ورسوله عن مدح النفس والثناء عليها، فإن ذلك أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع؛ لأن الله تعالى أعلم بمن أخلص العمل واتقى عقوبة الله، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) فالزاكي المزكى من حَسُنَتْ أفعاله وزكاه الله عز وجل فلا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له؛ لأن الله تعالى عز وجل فلا عبرة تزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له؛ لأن الله تعالى أعلم بحقائق الأمور وغوامضها، وقد دل الكتاب والسنة على المنع من تزكية الإنسان نفسه، وقال تعالى: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ) عَلِيمٌ فلولا فضل الله ما اهتدى أحد ولا أسلم ولا عرف رشدًا، ولولا يرزق من يشاء التوبة والرجوع إليه ويزكي النفوس من شركها وفجورها ودنسها وما فيها من أخلاق رديئة كل بحسبه لما حصل أحد لنفسه زكاة ولا خيرًا، فتزكية الله لكم وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالكم. وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
«اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها»
وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره تزكية النفس كان أيضًا يكره التزكية للغير والمبالغة في مدحه، وقد أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:
«ويلك، قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك (مرارًا). ثم قال: من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانًا. والله حسيبه. ولا أزكي على الله أحدًا. أحسبه كذا وكذا. وإن كان يعلم ذلك منه»
أي فليقل أحسب أن فلانًا كذا، كقوله: إنه وَرْعٌ ومُتَّقٍ وزاهد إن كان يحسب ذلك منه، والله يعلم سره؛ لأنه هو الذي يجازيه، ولا يقل أتيقن ولا أتحقق جازمًا بذلك، ولا تزكوا أحدًا على الله؛ لأنه أعلم به منكم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب»
قال الغزالي: المدح يدخله ست آفات: أربع في المادح، واثنتان في الممدوح. فأما المادح مظهر للحب، وقد لا يكون مضمرًا له ولا معتقدًا لجميع ما يقوله فيصير به مرائيًا منافقًا. والثالثة: أنه قد يقول ما لا يتحققه ولا سبيل له إلى الاطلاع عليه. والرابعة: أنه قد يفرح الممدوح وهو ظالم أو فاسق وذلك غير جائز، قال الحسن: من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى في أرضه، والظالم الفاسق ينبغي أن يذم ليغتم ولا يمدح ليفرح.
وأما الممدوح فيضره من وجهين؛ أحدهما: أنه يُحْدِثُ فيه كِبْرًا وإِعْجَابًا وهما مهلكان، والثاني: هو أنه إذا أثني عليه بالخير فرح به وفتر ورضي عن نفسه ومن أعجب بنفسه قَلّ تَشَمُّرُه وإنما يَتَشَمَّرُ للعمل من يرى نفسه مقصرًا. فإن سلم المدح من هذه الآفات في حق المادح والممدوح لم يكن به بأس بل ربما كان مندوبًا إليه.
قال ابن بطال: حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنزلة، فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالًا على ما وصف به، وأما من مدح بما فيه فلا يدخل في النهي، فقد مدح صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة ولم يحث في وجه مادحه ترابًا.
وقال العلماء عن الجمع بين أحاديث النهي عن المدح وأحاديث المدح في الوجه: وطريق الجمع بينها أن النهي محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الأوصاف أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح، وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة، بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كتنشيطه للخير والازدياد منه أو الدوام عليه أو الاقتداء به كان مستحبًّا، قال بعض السلف: إذا مدح الرجل في وجهه فليقل: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرًا مما يظنون.