ماذا يحب الله ورسوله-ما يحب الله من العبادات (ذكر الله)
الوصف
ما يحب الله من العبادات
ذكر الله
أحب الأعمال إلى الله ذكر الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله".
قال الطيبي: رطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه، كمان أن يبسه، عبارة عن ضده، ثم إن جريان اللسان عبارة عن مداومة الذكر.
ذكر الله:
أصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له. وسُمِّي الذكر باللسان ذكرًا؛ لأنه دلالة على الذكر القلبي؛ غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم. والمراد ذكر القلب الذي يجب استدامته في عموم الحالات.
وقيل: الذكر هو الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ويطلق ذكر الله أيضًا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنقل بالصلاة، ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالًا، فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالًا، فإن صحح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال.
وقيل: المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد، والذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وفي أدلة التكاليف من الأمر والنهي حتى يطلع على أحكامها، وفي أسرار مخلوقات الله، والذكر بالجوارح هو أن تصير مستغرقة في الطاعات، ومن ثم سمى الله الصلاة ذكرًا فقال تعالى: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)
وقيل: ذكر الله تعالى ضربان: ذكر بالقلب وذكر باللسان. وذكر القلب نوعان: أحدهما وهو أرفع الأذكار وأجلها الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سماواته وأرضه ومنه الحديث؛ خير الذكر الخفي، والمراد به هذا، والثاني ذكر بالقلب عند الأمر والنهي فيمتثل ما أمر به ويترك ما نهي عنه ويقف عما أشكل عليه. وأما ذكر اللسان مجردًا فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث.
قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) أمر الله تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه، ويكثروا من ذلك على ما أنعم به عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن لما لهم في ذلك من جزيل الثواب، وجميل المآب. وأن يشغلوا ألسنتهم في معظم أحوالهم بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير. وجعل تعالى ذلك دون حد لسهولته على العبد. قال مجاهد: وهذه كلمات يقولهن الطاهر والمحدث والجنب. وقال: لا يكون ذاكرًا لله تعالى كثيرًا حتى يذكره قائمًا وجالسًا ومضطجعًا. ولعظم الأجر فيه قال ابن عباس: إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدًا معلومًا ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر فإن الله تعالى لم يجعل له حدًا ينتهي إليه ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على تركه فقال: (فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) بالليل والنهار، وفي البر والبحر والجو، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال. فإذا فعلتم ذلك صلَّى عليكم وهو وملائكته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟"
قالوا: بلى، قال: "ذكر الله". قال معاذ بن جبل: ما شيء أنجى من عذاب الله، من ذكر الله.
وقال تعالى: (وَاذْكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) أي؛ واذكر ربك في نفسك وتذللًا وخوفًا من الله تعالى، وأن تسمع نفسك دون غيرك في أوائل النهار وأواخره، ولا تكن من الغافلين عن ذكر الله. المراد الحض على كثرة الذكر من العبد بالغدو والآصال لئلا يكون من الغافلين. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:
"مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".
لقد ذكر الله – عزَّ وجلَّ – الذكر في آيات كثيرة جدًا في القرآن؛ في الأمر به، والنهي عن ضده وهي الغفلة، وتعليق الفلاح بالإكثار منه، والثناء على أهله وحسن جزائهم، وجعل ذكره للذاكر جزاء لذكره له، وأنه أكبر من كل شيء، وختم الأعمال الصالحة به، فختم به عمل الصيام، وختم به الحج، وختم به الصلاة، وختم به الجمعة، وذكر اختصاص الذاكرين بالانتفاع بآياته وهم أولوا الألباب، وذكر مصاحبته لجميع الأعمال واقترانه بها وأنه روحها فإنه سبحانه قرنه بالصلاة والصيام والحج ومناسكه بل هو روح الحج ولُبُّه ومقصوده، وقرنه بالجهاد وأمر بذكره عند ملاقاة الأقران ومكافحة الأعداء.