ماذا يحب الله ورسوله- ما يحب الله من الأمور (لا يحب الله الجهر بالسوء)
الوصف
ما يبغض الله من الأمور
لا يحب الله الجهر بالسوء
لا يحب الله الجهر بالسوء
قال الله تعالى: (لاَ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ)
الجهر بالسوء من القول:
الجهر بالسوء من القول هو أن يدعو الإنسان على غيره ويسبه ويشتمه أمام الناس، إلا من ظلم فله أن يقول ظلمني فلان، ولا يدع عليه، بل يقول: اللهم أعني عليه، اللهم استخرج حقي، اللهم حل بينه وبين ما يريد من ظلمي، وقال ابن عباس وغيره: المباح لمن ظلم أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له، وظاهر الآية يقتضي أن للمظلوم أن ينتصر من ظالمه- ولكن مع اقتصاد- إن كان مؤمنا، فأما أن يقابل القذف بالقذف ونحوه فلا، وإن كان كافرا فليرسل لسانه وليدع بما شاء من الهلكة وبكل دعاء.
إن الجهر بالسوء من القول- في أي صورة من صوره- سهل على اللسان ما لم يكن هناك تحرج في الضمير وتقوى الله، وشيوع هذا السوء كثيرا ما يترك آثارا عميقة في ضمير المجتمع... كثيرا ما يدمر الثقة المتبادلة في هذا المجتمع فيخيل إلى الناس أن الشر قد صار غالبا.. وكثيراث ما يذهب ببشاعة السوء بطول الألفة، فالإنسان يستقبح السوء أول مرة بشدة، حتى إذا تكرر وقوعه أو تكرر ذكره، خفت حدة استقباحه والاشمئزاز منه، وسهل على النفوس أن تسمع- بل أن ترى- ولا تثور للتغيير على المنكر.
ذلك كله فوق ما يقع من الظلم على من يتهمون بالسوء ويشاع عنهم – وقد يكونون منه أبرياء- ولكن قالة السوء حين تنتشر، وحين يصبح الجهر بها هينا مألوفا، فإن البريء قد يتقول عليه مع المسيء، ويختلط البر بالفاجر بلا تحرج من فرية أو اتهام، ويسقط الحياء النفسي والاجتماعي الذي يمنع الألسنة من النطق بالقبيح، والذي يعصم الكثيرين من الإقدام على السوء.
إن الجهر بالسوء يبدأ في أول الأمر اتهامات فردية- سبا وقذفا- وينتهي انحلالا اجتماعيا، وفوضى أخلاقية، تضل فيها تقديرات الناس بعضهم لبعض أفرادا وجماعات، وتنعدم فيها الثقة بين بعض الناس وبعض، وقد شاعت الاتهامات، ولاكتها الألسنة بلا تحرج. لذلك كله لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ويكره أن تشيع قالة السوء بين المسلمين، واستثنى من وقع عليه ظلم فأعطاه وحده حق الجهر بكلمة السوء يصف بها الظالم ليدفع عنه الظلم في حدود ما وقع عليه منه، وفي هذه الحالة يكون الوصف بالسوء- ويشمل ما تعبر عنه المصطلحات القانونية بالسب والقذف- انتصارا من ظلم، ودفعا لعدوان، وردا لسوء بذاته قد وقع بالفعل على إنسان بذاته، وتشهيرا بالظلم والظالم في المجتمع، لينتصف المجتمع للمظلوم، وليضرب على يد الظالم، وليخشى الظالم عاقبة فعله، فيتردد في تكراره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوما أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره"
والجهر بالسوء عندئذ يكون محدد المصدر – من الشخص الذي وقع عليه الظلم- محدد السبب- فهو الظلم المعين الذي يصفه المظلوم- موجها إلى شخص بذاته هو الذي وقع منه الظلم... عندئذ يكون الخير الذي يتحقق بهذا الجهر مبررا له، ويكون تحقيق العدل والنصفة هو الهدف لا مطلق التشهير... وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال صلى الله عليه وسلم:
"اذهب فاصبر" فأتاه مرتين أو ثلاثا فقال صلى الله عليه وسلم: "اذهب فاطرح متاعك في الطريق، فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه: فعل الله به، وفعل، وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه.
وهكذا يوفق الإسلام بين حرصه على العدل الذي لا يطيق معه الظلم، وحرصه على الأخلاق الذي لا يطيق معه خدشا للحياء النفسي الاجتماعي... والخير للمسلم أن يصبر ويعفو عمن أساء إليه كما حث الله –عز وجل- على ذلك فقال تعالى: (إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) وكما نصح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل أكثر من مرة "اذهب فاصبر"، فذلك مما يقرب عند الله ويجزل الثواب لديه فإن من صفاته تعالى أن يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم.