كتاب المفردات في غريب القرآن-الشريعة وعلوم الحكمة (أمثلة من جمع الراغب بين الشريعة والحكمة)

كتاب المفردات في غريب القرآن-الشريعة وعلوم الحكمة (أمثلة من جمع الراغب بين الشريعة والحكمة)
100 0

الوصف

                                                     الشريعة وعلوم الحكمة 

                                         (أمثلة من جمع الراغب بين الشريعة والحكمة)

نقول أولا: إن القاعدة التي اتّبعها الراغب في الجمع بينهما أنه جعل الشريعة هي الأساس والميزان، ثم عرض كلام الحكماء عليها، فما وافق قبله، وما لا فلا، لذلك نجده يقول في كتابه الذريعة: (واجب على الحكيم العالم النحرير أن يقتدي بالنبيّ صلّى الله عليه وسلم فيما قال: إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزّل الناس منازلهم ، ونكلم الناس بقدر عقولهم)

فمن ذلك قوله: قيل لبعض الحكماء: هل من موجود يعمّ الورى؟ فقال: نعم أن تحسن خلقك، وتنوي لكل أحد خيرا ثم يتبعه بما يقابله من الشريعة فيقول: وقال صلّى الله عليه وسلم: «إنّكم لن تسعوا النّاس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم»

ومن ذلك قوله:

قال بعض الحكماء: قلّ صورة حسنة يتبعها نفس ردية، فنقش الخواتيم مقروء من الطين، وطلاقة الوجه عنوان ما في النفس، وليس في الأرض شيء إلا ووجهه أحسن ما فيه.

وقال النبي عليه الصلاة والسلام: اطلبوا الحاجات من حسان الوجوه وقال عمر رضي الله عنه: إذا بعثتم رسلا فاطلبوا حسن الوجه وحسن الاسم.

ومن ذلك قولهم: من جهل شيئا عاداه، والناس أعداء ما جهلوا وقال الله تعالى: (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) فَسَيَقُولُونَ: هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ

ومن ذلك قوله:

حقّ المعلم أن يجري متعلميه منه مجرى بنيه، فإنه في الحقيقة أشرف من الأبوين، كما قال الإسكندر- وقد سئل: أمعلمك أكرم عليك أم أبوك؟ - قال: بل معلمي، لأنه سبب حياتي الباقية، ووالدي سبب حياتي الفانية وقد نبّه صلّى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: «إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم» 

ومن ذلك قول بعض الحكماء : الحلافة تدل على كذب أربابها، لأنّ ذلك لقلّة الركون إلى كلامهم. وقد قال تعالى: (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا )[البقرة/ ٤١] ، وقال تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا)

ومن ذلك قوله:

قال بعض الحكماء: مثل طالب معرفته مثل من طوّف في الآفاق في طلب ما هو معه  والله تعالى يقول: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد/ ٤] ، وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وليس كل ما جاء به الحكماء يوافق الشريعة، ففي باب القناعة ذكر الشيخ قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش»  ، ثم يقول: قيل لحكيم: لم لا تغتم؟ قال: لأني لم أجد ما يغمّني.

قال الراغب: واعلم أنّ الزهد ليس من ترك المكاسب في شيء، كما توهمه قوم أفرطوا حتى قربوا من مذهب المانوية والبراهمة والرهابنة، فإنّ ذلك يؤدي إلى خراب العالم، ومضادة الله فيما قدّر ودبّر، ثم قال: ولأنّ الزاهد في الدنيا راغب في الآخرة، فهو يبيعها بها، ثم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة/ ١١١] ، ومحال أن يبيع كيّس عينا بأثر إلا إذا عرفها عارف، وعرف فضل المبتاع على المبيع.

وقيل لبعض الزهاد: ما أزهدك وأصبرك! فقال: أمّا زهدي فرغبة فيما هو أعظم مما أنا فيه، وأما صبري فلجزعي من النار.