كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (حول أبوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (حول أبوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم)

الوصف

                                                   الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم 

                                                              (حول أبوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم)

تَدَخَّلَ الفادي المفترِي في أَبَوَيْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعَلَّقَ على آية تَنْهى المؤمنين عن الاستغفارِ للمشركين ولو كانوا من أقاربِهم، وهي قول الله - عز وجل -: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)) .

وقال تحتَ عنوانٍ استفزازي مُثير هو: " أهله من أصحاب الجحيم " " قالَ البيضاويّ: رُويَ أَنَّ النبيَّ قالَ لأَبي طالب لما حضرَتْه الوفاة: قُلْ كلمةً أُحاجّ لك بها عِندَ الله، فأَبى.

فقال: لا أَزالُ أَستغفرُ لك ما لم أُنْهَ عنه. فنزلَتْ. وقيل: لما افتتحَ مكة خرجَ إِلى الأبواء، فَزارَ قَبْرَ أُمِّه، ثم قامَ مُسْتَعْبِراً، فقال: إِني أستأذنْتُ ربّي في زيارةِ قبرِ أُمّي فأذِنَ لي، واسْتَاذَنْتُه في الاستغفارِ فلم يأَذَنْ لي، وأَنزلَ عَلَى الآيتَيْن.. ".

صحيحٌ أَنَّ هذا الكلامَ في تفسير البيضاوي، لكن ليس مُسَلَّماً، وليس كُلُّه صحيحاً.

فهذه الآية ُ من سورةِ التوبة، وهي متأخرةٌ في النزول، حيثُ كان نزولُها في السنةِ التاسعةِ من الهجرة، وكانتْ وَفاةُ أَبي طالِب في السنةِ الثامنة من البعثة، قبلَ الهجرةِ بخمسِ سنوات، أَيْ أَنّ أَبا طالب تُوفىَ قبل نزولِ الآيةِ بأكثرَ من أَربعَ عشرةَ سنة! فكيف يكونُ نزولُها في وفاته؟!.

إِنَ الذي صَحَّ في أبي طالب هو نزولُ آيةٍ مكيةٍ فيه. روى البخاري ومسلم، عن سعيد بنِ المسيبِ عن أَبيه قال: لما حَضَرَتْ أَبا طالب الوفاة، جاءَه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فوجَدَ عندَه أَبا جهل، وعَبدَ الله بن أَبى أُمية بن المغيرة.

فقالَ له: أَيْ عَمّ! قُلْ: لا إِله إِلا الله، كلمةً أُحاجّ لك بها عندَ الله!. فقالَ له أَبو جهل وعبدُ الله بن أَبي أُمية: أَترغبُ عن مِلَّة عبدِ المطلب؟!.

فلم يَزَلْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعرضُها عليه، ويُعيدانهِ بتلك المقالة، حتى قالَ أَبو طالب آخرَ ما كَلَّمهم: على مِلَّةِ عبدِ المطلب.

وأَبى أَنْ يقول: لا إِله إِلّا الله. فأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) .

أَمّا سببُ نُزولِ آيتي سورةِ التوبة (١١٣ - ١١٤) فقد رَواهُ النسائي والترمذي عن عَلِيّ بن أَبي طالب - رضي الله عنه -، قال: سمعْتُ رَجُلاً يَستغفرُ لأَبَويْه وهما مشركان، فقلْتُ: تَستغفرُ لأَبويْك وهما مُشْركان؟ فقال: أَليس قد استغفرَ إِبراهيمُ لأَبيه وهو مشرك؟ قال عليّ: فذكرتُ ذلك للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤) .

أَمّا أَبوا رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقد ماتا على غيرِ الإِسْلام، وصَحَّ أَنَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: استأذَنْتُ ربي أَنْ أَزورَ أُمّي فأَذِنَ لي، واستأذنْتُه في أَنْ أَستغفرَ لأُمّي فلم يأذَنْ لي .

ولكنَّ الآيَتَيْنِ (١١٣ - ١١٤) من سورةِ التوبة لم تَنْزِلا في أُمّه ولا في أَبيه.

ولم يَصِحَّ قولٌ نُسبَ للرسولِ - صلى الله عليه وسلم -: لأَستغفرنَّ لأَبي، كما استغفرَ إِبراهيمُ لأَبيه، فأَنزلَ اللهُ عليه الآيتَيْن يَنهاهُ عن ذلك!!.

ومن أَكاذيبِ المفترِي وافتراءاتِه قولُه: " واتفقَ المفَسِّرونَ على أَنَّ محمداً كان يَطلبُ المغفرةَ لأَبيه عبدِ الله، وأُمّه آمنة، وعَمّه أَبي طالب، وأَنَ اللهَ نَهاهُ وَزَجَره عن ذلك زَجْراً أَبكاه، لأَنَّهم مُشركون، وقد صاروا من أَصحابِ النار. وما أَبعدَ الفرقَ بينهم وبين العذراءِ مريم وابنِها!! ".

إِنَّ هذا كَذِبٌ مفضوح، فلم يَستغفرْ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبيه، ولا لأُمِّه، ولا لَعَمِّه أَبي طالب، لأَنهم ماتوا على غيرِ الإِسلام، ورسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعلمُ أَنه لا يَجوزُ له أَنْ يَستغفرَ لكافر، ولو كان أَقربَ الناسِ إِليه.

وادَّعى الكاذبُ المفترِي أَنَّ اللهَ نَهاهُ عن الاستغفارِ لأَبيه وأُمِّه وعمِّه، وزَجَرَه عن ذلك زجرا أَبكاه، وهذا ادِّعاءٌ كاذب، فلم يَنْهَهُ اللهُ عن ذلك ولم يَزجزه، لأَنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَفعلْ ذلك أَصلاً.

والآيةُ نَفَتْ وُقوعَ هذا الاستغفار: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) .