كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية (لماذا قطع يد السارق؟)
الوصف
الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية
(لماذا قطع يد السارق؟)
أَمَرَ اللهُ بقطْعِ يدِ السارقِ والسارقةِ بشروطٍ خاصَّة. قال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ) .
وقد اعترضَ الفادي على حُكْمِ اللهِ، لأَنَّه يُؤَدّي إِلى إِصابةِ الإِنسانِ بالإِعاقةِ والبِطالة، قال: " ونحنُ نَسأل: إِذا كانَ القرآنُ وَضَعَ شريعةَ قَطْعِ يَدِ السارق، خِلافاً لكلِّ الشرائعِ السماويةِ والوضعية، أَلا يسيءُ هذا إِلى الإِنسانية؟
ويجعلُ أَصحابَ الأَيْدي المقطوعة، حتى بعدَ توبتِهم، عالَةً على المجتمع، يَعيشونَ فيه بمرارةٍ ناقِمينَ عليه؟ إِنَّ قَطْعَ يَدِ السارقِ يَحرمُه من العمل، وكسبِ رزْقِهِ بعَرَقِ جَبينِه.. وجاءَ في كِتاب " الملل والنحل " للشهرستاني أَنْ قَطْعَ يَدِ السارقِ عُقوبةٌ جاهلية، فلماذا شَرَعَ محمدٌ عوائِدَ الوَثَنِيّين الذميمةَ في دينهِ؟ ".
واعتراضُ الفادي متهافتٌ مَرْدودٌ عليه، وإِنه يتطوَّعُ للدِّفاعِ عن السارق، الذي يَظلمُ ويَطْغى، ويَسرقُ ويَتَعَدّى، ويأخُذُ غيرَ حَقِّه، ويَتركُ المسروقين المظلومين، الذينَ ذَهبَتْ أَموالُهم، وضاعَتْ جُهودُهم، وتلاشَتْ أَعمالُهم!!
إِنهم قد عَمِلوا واجْتَهدوا، وتَعِبوا وكَدّوا، حتى حَصلوا أَموالَهم، ثم جاءَهم رجلٌ كَسولٌ ظالم، لا يَملكُ إِلّا العُدوان، فأَخَذَ ما تَعِبوا به، وتَمَلَّكَه في لَحظة! فماذا يُقَدِّمُ الفادي المعترضُ لهؤلاء؟.
وبماذا يُعاقِبُ الفادي هذا السارق، الذي اعْتَدى على غَيْرِه، وأَخَذَ ما لا يَحِلُّ له، وبذلك صارَ عالةً على العاملين المجتَهِدين، يأخُذُ ثمرةَ كَدِّهم.
لقد اكتفى الفادي بتخطئةِ القرآنِ الذي أَمَرَ بقَطْعِ يَدِه، ولم يَذْكُرْ لنا العقوبةَ الإِنسانيةَ الرحيمةَ الرقيقةَ التي تتفقُ مع الرأفةِ والرِّقَّة، إلّا إذا كانَ الفادي يَرى أَنْ لا يُعاقَبَ السارقُ مطلقاً، لأَنَّ عِقابَه لا يَتفقُ معَ إِنسانيةِ الإِنسان، أَمّا قِيامُه بالسرقةِ والاعتداء على الآخرينَ فلا شيءَ فيه!!.
إِنَّ قَطْعَ يَدِ السارق تأديبٌ له، فاللهُ هو الذي مَنَحَهُ اليَدَ ليكسبَ بها ويَعتاشَ ويرتزق، ولكنَه حَوَّلَها إِلى أَداةٍ للعدوان، فناسَبَ أَنْ تُقْطَع، وأَنْ تُزالَ القُوَّةُ الباغيةُ التي يَعْتَدُّ بها، ويَعْتَدي بها على الآخَرين، وهو الذي أَساءَ لنفسِه وليدِه، وهو الذي عَطَّلَها عن مهمتِها الإِيجابية، وحَولَها إِلى وسيلةٍ تخريبية، ولذلك أَدَّبَهُ اللهُ بقَطْعِها. وإِنَّ قَطْعَ يَدِ السارقِ ليس حُكْماً بشرِيّاً قابِلاً للخَطَأ والصواب، والتَّغييرِ والتَّبديل، وإِنما هو حُكْمُ الله، الذي أَنزلَه اللهُ للتنفيذ، والذي لا يَقْبَلُ التبديل، ولا يَعْتَريه الخطأ، ولا يَقِفُ أَمامَه اعتراضٌ أَو تخطئةٌ أَو اقتراح " لأَنَّ كُلَّ مسلمٍ يوقِنُ أَنَّ ما أَمَرَ اللهُ بِه فهو الحَقّ، وما حَكَمَ به فهو الصّواب! واللهُ الحكيمُ الذي خَلَقَ الإِنسانَ يَعلمُ ما يُصلحُه فأَمَرَ به، ويَعلمُ ما يُفسِدُه فنَهى عنه! ولعله لأَجْلِ هذا خُتِصَتْ آيَةُ الأَمْرِ بقطْعِ يَدِ السارقِ بقوله تعالى: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .
ونقولُ للفادي الجاهل: أَأَنْتَ أَعلمُ أَم الله؟!. أَمّا زَعْمُ الفادي المفترِي أَنَّ قَطْعَ يَدِ السارقِ عُقوبةٌ جاهلية، وإِحالَتُه على كتابِ الشهرستانيِّ لنُصَدّقَه، فهذا زُعْمٌ باطل، وافتراءٌ مردود، فلم يكن العربُ الجاهليّون يُعاقبونَ السارقَ أَصْلاً، فَضلاً عَنْ أَنْ يَقْطَعوا يَدَه! ولأَنَّ الفادي صاحِبُ هَوى، فإِنَّه يَبحثُ في كتبنا الإِسلاميةِ عن قولٍ يُوافِقُ هَواه وكَذِبَه، فإِن وَجَدَه سَجَّلَه وفَرِحَ به، كما فَعَلَ مع القولِ الذي نَسَبَه للشهرستاني، ولا يُهِمه إِنْ كانَ صحيحاً أَو باطلاً!.
إنَّ قَطْعَ يَدِ السارقِ عُقوبةٌ إسلامية مُتَمَيِّزَة، تَفَرَّدَ بها الإِسلام، فلم تَرِدْ في غيرِه منَ المبادئ السماويةِ أَو الأَرضية، وهي حَقٌّ وصَوابٌ لأَنَها من عندِ الله.