كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية (حول شهادة المرأة وضربها وميراثها)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية (حول شهادة المرأة وضربها وميراثها)
115 0

الوصف

                                                     الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية 

                                                       (حول شهادة المرأة وضربها وميراثها)

اعترضَ الفادي على القرآنِ في حديثِه عن المرأة، من حيثُ شهادتُها وميراثُها وإِباحةُ ضَرْبِها، وجَعَلَ عنوانَ اعتراضِه: " هَضْمُ حقوقِ المرأةِ في المعاملةِ الزوجيةِ والشهادةِ والميراث ".

قالَ عن إِباحةِ ضَرْبِ المرأةِ في القرآن: " جاء في سورةِ النساء: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (٣٤)) .

فلماذا يُقَنّنُ القرآنُ للرجلِ أَنْ يَضْرِبَ زوجَتَه؟! ".

يَرفضُ الفادي إِباحةَ ضربِ المرأة، ويعتبرُ هذا الضربَ اعتداءً عليها، ويُخَطّى القرآنَ في ذلك!!. 

إِنَّ الآيةَ تتحدَّثُ عن وسائلَ ناجعةٍ لعِلاجِ المرأة، عند ظهورِ بداياتِ النشوزِ والتمردِ عندها، وقبلَ أَنْ يَستفحلَ النُّشوزُ عندَها، وتُعلنَ تَمَرُّدَها.

وهذا لا يُصيبُ كُلَّ الزوجاتِ، إِنما يُصيبُ بَعْضَهن، ومعظمُ الزوجاتِ المسلمات ملتزماتٌ بأَحكامِ الشرع، تَعرِفُ الواحدةُ منهنَّ واجِبَها فتؤَدّيه، وتَعرفُ حَقَّهَا على زوجِها فتأْخُذُه، فالآيةُ لا تضعُ تشريعاً لكلِّ الزوجات، وإِنما للنسبةِ القليلةِ الناشزةِ منهن!.

وتُرشدُ الآيةُ زوْجَ الناشزِ إِلى اتخاذِ ثَلاثِ خُطواتٍ مُتدرجة، فإِنْ تَمَّ العِلاجُ في الأُولى فَبِهَا ونعْمَتْ، وإِلّا انتقلَ للثانية، والثالثةُ آخِرُ الخَيارات:

(فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) .

الخطوةُ الأُولى: وَعْظُ الزوجة، وتَذْكيرُها بالله، وتَحذيرُها من عاقبةِ نُشوزِها.

الخطوةُ الثانية: هَجْرُها في المضجَع، بأَنْ يتوقَّفَ عن معاشرتِها.

الخطوةُ الثالثة: ضربُها تأديباً لها، وقد يكونُ عندَ بعضِ النساءِ انحرافٌ نفسيٌّ أَو سلوكي، ولا يُقَوَّمُ هذا الانحرافُ إِلّا بضرْبها ضَرْباً خَفيفاً، واللهُ الذي خَلَقَ النساءَ يَعلمُ ذلك من بعضهن، فشرعَ ضَرْبَها الخَفيفَ لتقويمِ ذلك الانحراف.

وعندَ الاضطرارِ إِلى اللجوءِ إِلى الخطوةِ الثالثةِ فإِنَّ الإِسلامَ يَدْعو الزوجَ إِلى أَنْ يكونَ الضَّرْبُ خَفيفاً غيْرَ مُبَرِّح، وأَنْ لا يتركَ آثاراً على الوْجهِ أَو البَدَن وأَن لا يكون أمامَ الآخَرين، وأَنْ لا يَقترنَ بالسَّبِّ والشتْمِ والذَّمِّ والتقبيح، وأَنْ لا يَكونَ دائماً مُتَواصِلاً، وإِنما في حالات استثنائيةٍ نادرة!.

وقالَ الفادي في اعتراضِه على حديثِ القرآنِ في شهادةِ المرأة: " وجاءَ في سورةِ البقرة: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) . فلماذا تكونُ شهادةُ امرأَتَيْن بشهادةِ رجلِ واحد، مع أَنها في أَحيانٍ كثيرةٍ قد تَفوقُ رَجُلَها في العقلِ والثقافةِ والشخصيةِ "

ليست الشهادةُ في الآيةِ مُطْلَقَة، وِإنما هي شهادَةٌ مُقَيَّدَة، متعلقة بموضوع الآيَة، وهو الكلامُ على " الدَّيْنِ " وكيفيةِ كتابتِه وإِقرارِه والشهادةِ عليه.

وَوَجَّهَ القرآنُ المسلمينَ إِلى الإِشهادِ على الدَّيْنِ بشاهدَيْن رجلَيْن، فإِنْ لم يَجِدوا رجلَيْن، فيمكنُ أَنْ يستشهدوا برجُلٍ وامرأَتَيْن.

- لماذا شهادةُ امرأتَيْن مقابلَ الرجل؟ الجوابُ في الآية: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) .

أَيْ أَنَّ المرأتَيْن تَتَعاونانِ وتَتَكاملانِ في الشهادة، فإِنْ ضلَّتْ إحْدى المرأتَيْن تَفاصيلَ القضيةِ الماليةِ المرفوعة، ذَكَّرَتْها صاحبتُها بتلك التفاصيل، وكُلّ واحدةٍ معرضة للضَّلالِ والنسيان، فتُذَكِّرُها الأُخرى بما نسيَتْه!.

ولا يَعني شهادةُ المرأتَيْن بشهادةِ رجلٍ اتّهامَ المرأةِ في عَقْلِها وشخصيتِها، كما فهمَ الفادي خطأً، فللمرأةِ عَقْلُها وتفكيرُها وحفْظُها، وقد تفوقُ الرجلَ في ذلك!.

إِنَّ المسألةَ مالية، تتعلَّقُ بتفاصيلِ الدَّيْنِ وملابساتِه وكتابتِه وإِجراءاتِه، وهذه أُمورٌ لا تَعني النساءَ غالِباً، ولا تَلفتُ انتباهَهُنّ، ولو اكْتُفِيَ بشهادةِ امرأةٍ واحدةٍ في هذا الموضوعِ المالي فقد تَنْسى كثيراً من التفاصيل، وبذلك قد

تُضَيِّعُ حَقَّ الرجل، ولذلك اشترطَ القرآنُ اجتماعَ امرأتَيْن للشهادة، بحيتُ تُذَكِّرُ كُلّ واحدةٍ الأُخْرى، وبذلك تُؤَدَّى الشهادةُ على وجْهِها، ولا تَضيعُ الحقوق.

أَما الرجالُ فإِنَّ التفصيلاتِ الماليةَ تَعْنيهم غالباً؛ لأَنها تَتفقُ مع مهمتِها التي خَلَقَهم اللهُ لها، ولذلك يَحفظونَها ويَعرضونَها بدِقَّة!.

وقالَ الفادي في اعتراضِه على القرآنِ بشأنِ نصيبِ المرأةِ من الميراث: " وجاءَ في سورةِ النساءِ: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، فلماذا يُعطي المرأةَ نصْفَ نَصيبِ الرجل، مع أَنَّ الحياةَ تَقْسو على المرأةِ أَحْياناً أَكثر من قسوتِها على الرجُل؟ إِنَّ القسمةَ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) من أَصلِ الجاهلية، جاءَ في كتابِ بُلوغ الأَرب: وأَوَّلُ منْ قَسَمَ للرجلِ مثلَ حَظّ الأُنثييْن عامرُ بنُ جَهْم الجُهَني ".

الزعمُ بأَنَّ إِعطاءَ الرجُل مثلَ حَظِّ الأُنثيَيْنِ تَشريعٌ جاهِليٌّ زَعْمٌ باطِلٌ مردود، رَدَّدَهُ الفادي الجاهلُ، ونَسبَهُ إِلى كتابٍ غيرِ مُوثَّق! إِنهُ تَشريعٌ إِسلاميٌّ قرآني، وَرَدَ النَّصُّ عليه في القرآن.

وليس فيه هَضْمٌ لحقوقِ المرأَةِ كما ادَّعى الفادي، وإنما هو يتفقُ مع طبيعةِ المرأة ومهمَّتها ووظيفتِها في الحياة.

فالإِسلامُ قد كَرَّمَ المرأةَ وصانَها واحترمَها، ومَنَحَها شخصيَّتَها الماليةَ المستقلة، وأَباحَ لها جمعَ الأَموال وتملُّكَها، في الوقتِ الذي لم يوجِبْ عليها إنفاقَ شيءٍ من أَموالِها على الأُسرة.

جعلَ الإِسلامُ الإِنفادق على الرجلِ في البيت، سواء كانَ أَباً أَو زوجاً أَوأَخا أَو ابناً، ولو كانت النساءُ في البيت يمتلكْنَ الأَموالَ فإِنَّه لا يَجبُ عليهنَ إِنفاقُ شيءٍ من أَموالِهن، وعلى الرجلِ أَنْ يُرَتِّبَ أَمْرَه ويُنفقَ ولو بالاستدانة.

ولذلك ناسبَ أَنْ يُعطى الرجلُ المأمورُ بالإِنفاق مثلَ حَظِّ الأُنثيَيْنِ، اللتَيْن لا يجبُ عليهما إِنفاقُ شيء. وسبحان اللهِ الحكيم في خلْقِه وفعلِه وتشريعِه!