كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (هل صلاة الجمعة من تشريع الجاهلية؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (هل صلاة الجمعة من تشريع الجاهلية؟)
124 0

الوصف

                                                    الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية 

                                                    (هل صلاة الجمعة من تشريع الجاهلية؟)

اعترضَ الفادي المفترِي على مشروعيةِ صلاةِ الجمعةِ في القرآن، وادّعى أَنها منْ تَشريعِ الجاهلية.

وقد أَمرَ اللهُ المؤمنين بصلاةِ الجمعةِ في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)) .

نَقَلَ الفادي عن تفسيرِ البيضاويِّ أَنَّ يومَ الجمعةِ في الجاهليةِ كان يُسَمّى يومَ العَروبَة، وقيلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَمّاهُ يومَ الجمعة كعبُ بنُ لُؤَيّ، أَحَدُ أَجدادِ قريش، لأَنَّ الناسَ كانوا يَجتمعونَ إِليه فَيحدِّثَهم عند الكعبة.

وقالَ البيضاويُّ: إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلّاها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كانت عندَ قدومِه المدينة حيثُ أدركَتْه صلاةُ الجمعةِ قُبيلَ المدينة، فصَلّاها في تجمعٍ للمسلمين في وادٍ لبني سالم بن عوف.

وَنَقَلَ عن كتابِ بُلوغِ الأَربِ للآلوسي أَنَّ كَعْبَ بنَ لُؤَيٍّ كانَ يَجمعُ قريشاً في ذلك اليومِ حولَ الكعبةِ، ويَخطبُ فيهم، ولذلك سماهُ يومَ الجُمُعة.

وعَلَّقَ الفادي الجاهلُ على ذلك النقل بقولِه: " فيومُ الجمعةِ مصدَرُه عَرَبُ الجاهلية، ومن وَضْعِ كعبِ بنِ لُؤَي، وليس من وحيِ السماء ".

نُبادرُ إِلى القول: لم يَثْبُتْ بروايةٍ معتمدةٍ ما قالَه البيضاويُّ والآلوسيُّ عن وجودِ اسمَيْن ليومِ الجمعة، وعن سببِ تغييرِه من يومِ العَروبة إِلى يومِ الجمعة، وعن أَنَّ كَعْبَ بنَ لُؤَيٍّ أَؤَلُ مَنْ جَمَعَ قريشاً وخطبَ فيهم حولَ الكعبة، وكانَ هذا قبلَ ولادةِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - بعشراتِ السنين.

وبما أَنَ هذا القولَ لم يَثْبُتْ عندنا، فإِننا نتوقفُ فيه، فلا نُكَذِّبُه ولا نُصَدّقُه. وَهَبْ أَنَّ القولَ صحيح، فإِنه لا يُؤَدّي إِلى النتيجةِ الخاطئةِ التي خرجَ بها الفادي الجاهلُ منه!! وأَقْصى ما يَدُلُّ عليه أَنَّ يومَ الجمعةِ سُمِّيَ بذلك قبلَ

ميلادِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - بعشراتِ السنين، وأَنَّ العربَ الجاهليّين كانوا يَجتمعونَ فيه ويتحدَّثون ا! وأَينَ هذا من مشروعيةِ صلاةِ الجمعة، التي أَمَرَ اللهُ المسلمين أَنْ يُؤَدّوها فيه؟!.

نعمْ مصدرُ يومِ الجمعةِ عربُ الجاهلية، وهم سَمّوهُ بهذا الاسمِ قبلَ الإِسلامِ بعشراتِ السنين، كما أَنهم سَمّوا باقي أَيام الأُسبوعِ بأَسمائِها في ذلك الزمنِ البعيد.

ولم يَدَّعِ المسلمونَ أَنَّ اسمَ يومِ الجمعةِ جاءَ وَحْياً من السماء، حتى يُسَجِّلَ الجاهلُ اعتراضَه وتخطئتَه للقرآن!.

لما بَعَثَ اللهُ محمداً رسولاً - صلى الله عليه وسلم - وأَنزلَ عليه القرآن، ْ كانَ هذا اليومُ يُسَمّى يومَ الجمعة، ولم يُسَمّهِ القرآنُ يومَ الجمعة، والجديدُ في الأَمْرِ أَنَّ اللهَ شَرَعَ فيه صلاةَ الجمعة، وكان تشريعُها قُبيلَ دُخولِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ يومَ الهجرة، ثم أَنزلَ اللهُ سورةَ الجمعةِ بعد الهجرة، وأَمَرَ المسلمينَ بأَداءِ الصلاة، وكان الأَمْرُ في آياتِ سورة الجمعة تأكيداً لمشروعيتِها يومَ الهجرة!.

وبهذا نَعْرِفُ جهلَ الفادي في عدمِ تفريقِه بين اسْمِ يومِ الجمعة الذي سُمّيَ به قبلَ الإِسلامِ بعشراتِ السنين، وبين مشروعيةِ الصلاةِ فيه، التي شَرَعَها اللهُ وأَمَرَ المسلمينَ بها يومَ الهجرة!.

ونقلَ الفادي خَبَرَاً نَسَبَهُ إِلى كتابٍ مجهول، سَمّاه " السيرة النبوية المَلكيَّة "، زَعَمَ أَنَّ المسلمينَ هم الذين اقْتَرحوا على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - صلاةَ الجمعة.

قال: " وَرَدَ في كتابِ (السيرة النبوية الملكية) أَنه لما هاجَرَ محمدٌ إِلى المدينةِ قال له المسلمون: إِنَّ لليهودِ يَوْماً يَجتمعونَ فيه للعبادةِ وسَماعِ الوعظِ هو يومَ السبت، وللنصارى يوماً يجتمعونَ فيه للعبادةِ وسَماعِ الوعظ، ونحنُ المسلمينَ لا يومَ لنا نجتمعُ فيه لعبادةِ اللهِ تعالى أُسوةً بأَهْلِ الكتاب، فأَشارَ عليهم بيوم الجمعة ".

وهذا الخَبَرُ موضوعٌ مكذوبٌ باطل، ولذلك لم يَرِدْ في حديثٍ صحيحٍ أَوحَسَنٍ أو ضَعيف، وهو يوحي بأَنَّ تشريعَ صلاةِ الجمعةِ بَشَرِيّ، وليش ربّانيّاً من عندِ الله، خَضَعَ فيه الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - لرغبةِ المسلمين، المتأَثِّرين باليهودِ والنصارى، فلما طَلبوا منه استجابَ لهم وشرعَ لهم صلاةَ الجمعة!!.

وقد كانَ الفادي خَبيثاً عندما عَلَّقَ على خبرِه الموضوعِ قائلاً: " ونحنُ نَسأل: إِذا كانَ اليهودُ يَجتمعونَ للعبادةِ يوم السبت، لذكْرِ خَلْقِ اللهِ العالمَ في ستةِ أَيام، واستراحتِه في اليومِ السابع، وإِذا كان النَّصارى يَحفظونَ يومَ الأَحَدِ لذكْرى قيامةِ المسيح فيه، فما الذي يَجعلُ المسلمينَ يَجتمعونَ يومَ الجمعة؟ هل لِيُحاكوا أَهْلَ الكتاب؟  لِمَ لَمْ يَختاروا اليومَ الذي صنَعَه الربّ، بل اليومَ الذي وَضَعَتْهُ عربُ الجاهلية؟! ".

يُريدُ الفادي الخبيثُ من تعليقِه أَنْ يَجعلَ المسلمين مُقَلِّدين لليهودِ والنصارى، راغبينَ في محاكاتِهم، فبما أَنَّ اليهودَ والنَّصارى يَجتمعونَ يَوْماً في الأُسبوع فلماذا لا يَفعلُ المسلمون مثلَهم؟ وهو بهذا يُؤَكِّدُ على بشريةِ القرآن، وبشريةِ التشريعِ الإسلامي.

وعندما ننظرُ في الآيةِ التي أَمرت المؤمنين بصلاةِ الجمعة، فَسنجدُها تَكْليفاً مباشِراً من اللهِ للمؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩)) .

فاللهُ هو الذي خاطَبَهم وكَلَّفَهم وأَمَرَهم، وشرعَ لهم صلاةَ الجمعةِ في يومِ الجمعة، ولم يكن الآمِرُ هو الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - بناءً على طلبٍ منهم، كما زَعَمَ الفادي المفترِي!.

وقد أَخْبَرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ يوم الجمعةِ هو أَفضلُ أَيامِ الأُسبوع، جعلَه اللهُ أَفْضَلَ الأَيام قبلَ وجودِ اليهودِ والنصارى، وأَنَّ اليهودَ والنصارى كانوا مأمورين بيومِ الجمعة، لكنَّهم تركوه، فاختارَ اليهودُ السبت، واختارَ النصارى الأحَد، وكانوا مُتَّبِعين لهواهم!.

روى مسلمٌ عن أَبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " نَحنُ الآخِرون، السابقونَ يومَ القيامة، بيد أَنهم أُوتوا الكتابَ من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، وهذا يومهم الذي فَرَضَ اللهُ عليهم، فاخْتَلَفوا فيه، فَهدانا اللهُ له، فهم لنا فيه تَبَعَ، اليهودُ غداً، والنَّصارى بعدَ غد ".

وروى مسلم عن أَبي هريرة وعن حذيفةَ بنِ اليمان - رضي الله عنهما - قالا: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " أَضل اللهُ عن الجمعةِ مَنْ كانَ قَبْلَنا، فكانَ لليهودِ يومُ السبت، وكانَ للنصارى يومُ الأَحَد، فجاءَ اللهُ بنا، فهدانا اللهُ ليومِ الجُمُعَة، فجعلَ الجمعةَ والسبتَ والأَحد، وكذلك هم تَبَعٌ لنا يومَ القيامة، نحنُ الآخِرون من أهلِ الدنيا، والأوَّلونَ يومَ القيامة، المقضيُّ بينهم قبلَ الخلائِق ".

وروى مسلمٌ عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " خَيْرُ يومٍ طَلَعَتْ فيه الشمسُ يومُ الجمعة، فيه خُلِقَ آدَم، وفيه أُدخلَ الجَنة، وفيه أُخرجَ منها ".

ولا وَزْنَ لكلامِ الفادي المفترِي واعتراضه، بعدَ هذه الآياتِ الصريحةِ والأَحاديثِ الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حولَ فَضْلِ يومِ الجمعةِ وصلاةِ الجمعة!.