كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (هل جهنم لجميع الأبرار والأشرار؟)
الوصف
الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية
(هل جهنم لجميع الأبرار والأشرار؟)
وَقَفَ الفادي أَمامَ آيتَيْن تتحدَّثانِ عن جهَنَّم، واعترضَ عليهما، وقارَنَهما بكلامِ الكتابِ المقَدَّس، وخَرَجَ بخَطَأِ القرآنِ وصَوابِ الإنجيل.
والآيَتانِ هما قولُ الله تعالى: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)) . وقولُ الله: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)) .
لجهَنَّمَ سبعةُ أَبوابٍ كما وَرَدَ في سورةِ الحِجْر، ونَقَلَ الفادي عن بعضِ العلماءِ تحديدَ أَسماءِ تلكَ الأَبوابِ السَّبْعَة، وتحديدَ الأَصنافِ الذين يَدْخُلونَ من كلِّ بابٍ منها، وهذا كلامٌ لَيسَ عليه دَليل، فلا نَخوضُ فيه ولا نَتوقَّف عِنْدَه.
وفَهِمَ الفادي الجاهِلُ من الآياتِ أَنَّ القرآنَ يُخبرُ أَنَّ جهنَّم للجِميع، سواء كانوا أَبْراراً أَوْ أَشْرارا، مؤمنين أَو كافرين! ولذلك خَطَّأَ القرآنَ في ذلك.
قال: " ونَحنُ نَسأَل: كيفَ يَذْهَبُ المؤمنُ إِلى جهنم؟ وما قيمةُ التوبةِ والغفرانِ الإِلهي؟ يقولُ الكتابُ المَقدَّسُ بوجودِ مكانٍ للأَبرار، وهو السماء، ومكانٍ للأَشْرار، وهو جهنَّم: " فَيَمضي هؤلاء إلى عذاب أَبَديّ، والأَبرارُ إلى حياةٍ أَبديّة " ٢٥١ - ٤٦، فلا يَذهبُ الأَبرارُ إلى جَهَنَّم، لأًنَّ اللهَ بَرَّرَهم ببرِّهِ الكامل، وبالتالي لا يَخْرُجون من جهنَّم إِلى السماء وإِذا كانَ جميعُ الناس سَيَذْهبون إلى جهنَّمَ كما يقولُ القرآن، وإِذا كانت أُمَّةٌ واحدة من الطوائفِ الإسلاميةِ هي التي تَخْلُصُ كقولِ الحَديث، أَفَلا يُخَيِّمُ الخوفُ من الموتِ والدينونةِ على حَياةِ كُلّ المسلمين؟ ما أَعظمَ الفرقَ بين حياةِ المسلمِ الخائِفِ الحائِر، وبينَ حياةٍ المسيحي، الذي يَشْتَهي أَنْ يَنطلقَ من الدنيا ليكونَ مع المسيح، ويَنتظر يومَ القيامةِ بفَرَح، حيثُ يَنال إِكليلَ الحياة! ".
لم يَقُل القرآنُ إِنَّ جَميعَ الناسِ سَيَذْهَبونَ إِلى جهنَّمَ، والنتائجُ التي بَناها الفادي على هذا الزعم باطلةٌ مَردودة، لأَنَّ ما بُنِيَ على الفاسدِ فهو فاسد.
ولا تَتَحدثُ آياتُ سورةِ الحِجْر التي خَطَّأَها الفادي الجاهِلُ عن الأَبرارِ والأَشرارِ، إِنما تتحدَّثُ عن الأَشْرارِ الغاوِين فقط، الذين اسْتَسْلَموا للشيطان، وتُقَرِّرُ أَنَّ جهنَّمَ موعدُ هؤلاء الغاوين أَجمعين، وتَسْتَثْني الصالحينَ الأَبرار.
والآياتُ وارِدةٌ في سياقِ الحديثِ عن ما جَرى بين آدمَ - عليه السلام - وبينَ إِبليس، وتَعَهُّدِ إِبليسَ بإِغواءِ مَن استجابَ له من بَني آدم.
قال تعالى: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (٤٦)) .
لا أَدري كيفَ فَهِمَ المفترِي من الآياتِ الواضحةِ الصريحة دُخول الأَبرارِ والأَشرارِ جهنم، مع أَنها صَريحةٌ في دُخول الكفارِ فَقَطْ جَهَنَّمَ إِنَّ الضميرَ المتَصِلَ " هم " في قوله: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) يَعودُ على " الغاوين " في الجملة السابقة: (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) .
والمعنى: إنَّ جهنَّمَ موعدُ الغاوينَ الذينَ اتَّبَعوك. ثم إِنَّ الآيات ِ اللاحقةَ صَرَّحَتْ بأَنَّ المتَّقينَ آمِنون في جناتٍ وعيون: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (٤٦)) .
لقد تَعَمَّدَ الفادي المجرمُ أَنْ يُحَرّفَ معنى الآياتِ الواضحِ، وأَنْ يَتْرُكَ الآياتِ والكلماتِ الصريحة، وأَنْ يَتلاعَبَ بها، ليخرجَ منها بنتيجةٍ خاطئة،يُخَطِّئُها بها، مع أَنَّها لا توحي بها!!.
ولا تَدُلُّ آياتُ سورةِ مريم على دُخولِ الأَبرارِ والأَشْرارِ النار، كما ادَّعى الفادي المفترِي.
قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)) .
الكلامُ في الآياتِ الأُولى عنِ الكافرين، حيثُ سيَحْشُرُهم اللهُ مع شَياطينِهم، ثم سيُحْضِرُهُم إِلى جَهَنّم، وسَيَجْثُونَ فيها على رُكبِهم، ثم يُخرجُ اللهُ منهم زُعماءَهم الذين هم أَشَدُّ عَدواةً لله، ثم سَيزيدُ عَذابَ هؤلاءِ الزعماء، ولا يَدْخُلُ المؤمنون ضمنَ هذه الآيات، لأَنهم مُؤْمِنون أَبرار صالحون.
وبعدما قَرَّرَتِ الآياتُ دُخولَ الكفارِ جَهَنَّم توجَّهَتْ للمؤمنينَ بالخطاب، وأَدمجَتْهم في الخطابِ مع الآخرين، وأَخبرتْ عن وُرودِ جَميعِ الناسِ جهَنَّم، ولم تستَثْنِ أَحَداً من هذا الورود، سواء كانَ مُؤْمِناً أَو كافراً، وقَرَّرَتْ بعدَ ذلك نَجاةَ المتقين وهلاكَ الكافِرين الظالمين: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)) .
فالمرادُ بالورودِ في الآيةِ المرورُ فوقَ جَهَنَّم، بدليلِ ذِكْرِ نَجاةِ المتَّقين بَعْدَه. وهذا مَعْناهُ أَنه يُنْصبُ الصِّراطُ على شَفيرِ جَهَنَّم، ويمُرُّ عليه. جميعُ البَشَر، مؤمنين وكافرين، أَمّا المتقونَ فيُنْجيهم اللهُ برحمتِه، وأَمّا الظالمونَ فيُسْقِطُهم اللهُ فيها. وفَسَّرَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الورودَ بالمُرور.
فقد روى مسلمٌ عن أُمّ مُبَشِّر الأَنصاريةِ - رضي الله عنها -: أَنها سمعَتْ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ عندَ حَفْصَةَ - رضي الله عنها -: " لا يَدْخُلُ النّارَ - إنْ شاءَ اللهُ - مِنْ أَصحابِ الشَّجرةِ أَحَد! الذينَ بايَعوا تَحْتَها ".
قالَتْ حَفْصَة: بلى يا رسولَ الله! فانْتَهَرها رسولُ اللهُ - صلى الله عليه وسلم -. فقالتَ حفصة: قالَ اللهُ: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) ! فقالَ لها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " قالَ الله: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)) .
لقد فَهمت حفصةُ - رضي الله عنها - الورودَ بأنه بمعنى الدخول، وأَنَ المؤمنين والكافرين سيَدْخُلونَ جهنَّم جَميعاً، ولكنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَّرَ الوُرودَ بالمرور، وأَخْبَرَها أَنَّ اللهَ يُنجي المؤمنينَ برحمتِه، فلا يُدْخِلُهم جَهَنَّم، وإِنما يَمُرّونَ عليها مُروراً سَريعاً، في طريقِهم إِلى الجنة.
وروى مسلم عن أَبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - حديثَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الطويلَ في الشفاعة: " ثم يُضْرَبُ الجِسْرُ على جَهَنَّم، وتَحِلّ الشَّفاعَة، ويقولون: اللهمَّ سَلِّمْ، سَلّمْ، قيلَ: يا رسولَ الله! وما الجِسْرُ؟ قال: دَحْضٌ مُزِلَّةٌ، فيه كَلاليبُ وخَطاطيفُ وحَسَك، تَكونُ بنَجْد، فيها شُوَيْكَة، يُقالُ لها: السَّعْدان، غيرَ أَنه لا يَعلمُ ما قَدْرُ عِظَمِها إِلّا الله. تَخْطِفُ الناسَ بأَعمالِهم، فمنهم الموبَقُ بعَمَلِه، ومنهم المُجازى حتى يَنْجو، فَيَمُرُّ المؤمنون كَطَرْفِ العَيْن، وكالعَيْن، وكالرّيح، وكالطَّيْرِ. وكأَجاويدِ الخَيْلِ والرّكاب، فنَاجٍ مُسْلَّمٌ، ومَخْدوش مُرسَلٌ، ومَكْدوسٌ في نارِ جَهَنَّم ... ".
بهذا البيانِ القاطعِ مِن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَّضِحُ أَنْ المرادَ بالورودِ هو المرورُ وليس الدخول، فالمتَّقونَ لا يَدْخُلونَ جَهَنَّم مُطْلَقاً! وبهذا نَعْرِفُ جَهْلَ وخَطَأَ الفادي في ادِّعائِه وافترائِه.