كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (مظاهر نعيم المؤمنين في الجنة)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (مظاهر نعيم المؤمنين في الجنة)
141 0

الوصف

                                                    الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية 

                                                     (مظاهر نعيم المؤمنين في الجنة)

اعترضَ الفادي المفترِي على حديثِ القرآنِ عن الجنة، ومظاهر النعيمِ التي فيها، واعتبرَ هذه المظاهرَ لا تَليقُ بالمؤمنين، وأَثْنى على حديثِ الكتابِ المَقَدَّسِ عن الجنة، وسَخِرَ مِن آياتِ القرآنِ التي ذَكَرَتْ صفاتِ الجنة.

وقالَ في بدايةِ اعتراضِه وتهكّمِه: " هذه جنةٌ تُناسِبُ الميولَ الجسدية،وتُوافِقُ رغباتِهم الماديّة ".

وفَصَّلَ الحديثَ في اعتراضِه قائلاً: " بَدَلَ الصحراءِ المحرقة، وَعَدَهم بجنةٍ تَجْري من تَحتِها الأَنهار وبَدَلَ النومِ على الرمالِ، وَعَدَهم بجنةٍ فيها سُرُرٌ مرفوعة وبَدَل لبسِ وَبَرِ الجِمال، وَعَدَهم بجنةٍ يُحَلَّونَ فيها من أَساورَ من ذهبٍ ولؤلؤاً ولباسُهم فيها حرير وبَدَل القحطِ والمَحْل، وَعَدَهم بجنَّتَيْن ملآنَتَيْن بالفاكهة وبَدَلَ الخيامِ التي لا تَقي من حَرّ الصيفِ وزَمْهريرِ الشتاء، وَعَدَهم بِقُصورٍ مُشَيَّدَة، فيها غُرَفٌ من فوقِها غُرَفٌ مبنية، ولا يَرَوْنَ فيها شَمْساً ولا زَمْهَريراً وبَدَلَ النساءِ البدويَّات، وَعَدَهم بأزواجٍ من الحورِ العين، لم يطمثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ، وجعلهنَّ أَبكاراً عُرُباً أَتْراباً وبدلَ الحرمانِ من الخَدَم وَعَدَهم بولدانِ الحور، يُقَدِّمونَ لهم ما لَذَّ من الشَّراب وبَدَلَ طعامِ الفاقة وَعَدَهم بلحْمِ الطير وبَدَلَ الجوعِ والفاقةِ وشَظَفِ العيش، وَعَدَهم بجناتٍ فيها أَنهارٌ من ماءٍ غيرِ آسِن، وأَنهارٌ من لبنٍ لم يتغيَّرْ طعْمُه، وأَنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين، وأَنهارٌ من عَسَلٍ مُصَفّى ... ".

إنَّ الجنةَ التي يراها الفادي خاليةٌ من النعيمِ المادّي، فليس فيها أَشجارٌ ولا أَنهارٌ، ولا قُصورٌ وغُرَف، ولا أَسِرَّةٌ وبُسُط، ولا ملابسُ وأَساور، ولا نِساءٌ ولا ولْدان، ولا خَدَمٌ ولا حورٌ عين، ولا طَعامٌ ولا شَراب، ولا استمتاعٌ ولا شَهوة، ولا مُلْكٌ ولا أَرض ومع هذا يُسَمِّيها جنة، ولا أَدري كيفَ تكونُ جَنَّةً وهي خاليةٌ من كلّ هذه المظاهرِ للنعيمِ والاستمتاع؟!!

وزَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ المسيحَ - عليه السلام - نفى وُجودَ نعيم مادّيٍّ في الجنة . قال: " أين هذه الصفاتُ من قولِ المسيح: " في القيامة لا يُزَوَّجون ولا يَتَزَوَّجون، بل يَكونونَ كملائكةِ اللهِ في السماءِ "

وقولِه أيضاً:  " لأَنَّه ليسَ ملكوتُ اللهِ أَكْلاً وشُرْباً، بل هو بِرٌّ وسَلامٌ وفَرَحٌ في الروح القدس "

يَنسبُ الفادي للمسيحِ - عليه السلام - أَنَّ المؤمنين يَكونونَ في الجنة بدونِ طَعامٍ أَوْ شراب أو زواج، فهم كالملائكةِ الذين لا يَأَكلُون ولا يَشْرَبون ولا يتزوَّجون، وحياتُهم في الجنةِ مُجَرَّدُ فَرَحٍ وسُرورٍ وبِر وسَلام!!.

وأَوردَ الفادي خرافاتٍ حولَ نعيمِ الجنة، نَسَبَها لرسولِنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وزَعَمَ أَنَّ رسولَنا قال: إِنَّ لكلّ مؤمنٍ قصوراً كثيرةً في الجنة، في كُلّ قَصْرٍ سَبْعون داراً من ياقوتٍ أَحْمر، في كل دارٍ سَبْعونَ بيتاً من زُمُردٍ أَخْضَر، في كُلّ بيتٍ سَرير، على كُلِّ سَريرٍ سَبْعون فِراشاً من كُلِّ لون، على كُلِّ فراشٍ سَبْعون زوجةً من، الحورِ العين، وفي كُلِّ بيتٍ سَبْعون وَصيفة، وسَبْعون مائدة، وعلى كُلِّ مائدةٍ سَبْعون لَوْناً من الطعام، ويتزوَّجُ الرجلُ في الجنةِ خمسَمئةِ حوراء، وأَربعةَ آلافِ بِكْر، وثمانيةَ آلافِ ثَيّب!.

وهذا كلامٌ مَكْذوبٌ على رسولِنا محمدٍ - عليه السلام -، لم يَقُلْه، وفيه طابَعُ المبالغةِ والمغالاة ... وهو كَلامٌ مَرْفوضٌ عندنا لأَنه لم يَصِح عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ومعلومٌ أَنّ الجنةَ من عالمِ الغيب، ولا نأخذُ عالَمَ الغيبِ إِلّا من آياتِ القرآنِ الصريحة، وما صَحَّ من حديثِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -!.

وأَنهى الفادي المفترِي اعتراضه على حديثِ القرآنِ عن الجنةِ بادّعاءٍ كاذب، قال: " ولم يَذْكُر القرآنُ أَنَّ في هذه الجنةِ سعادةً روحيةً في محبةِ الخالقِ وتسبيحه! ".

ولقد ذَكَرَ القرآنُ السعادةَ العاليةَ التي يَكونُ عليها المؤمنونَ فى الجنة، والفرحَ والسرورَ الذي يُظَللُ حياتَهم. فوجوهُهم ناضرة، ضاحكةٌ مستبشرة.

قالَ تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)) .

وقالَ تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩)) .

وقالَ تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤)) .

ويَحمدونَ اللهَ على ما أَنعمَ به عليهم، ويتذكَّرونَ ما كانوا عليه في الدنيا.

 قالَ تعالى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٥) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)) .

ومِنْ سُرورِهم وسَعادتِهم الروحيةِ في الجنة إِذْهابُ الحَزَنِ عنهم فيها. 

قال تعالى: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (٣٥)) .

ومن سعادتِهم الغامرةِ في الجنةِ أَنهم لا يَسمعونَ فيها إِلّا ما يُحبون سَماعَه.

قال تعالى: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)) . وتَأتيهم الملائكةُ، يَدْخلونَ عليهم، ويُرَحِّبونَ بهم ويُبَشِّرونَهم.

قال تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)) .

ومن سعادَتِهم الغامرةِ أَنَّ اللهَ يُحِلُّ عليهم رِضوانَه، ويُخبرُهم بذلك، وهذا الرضوانُ أَكبرُ من كُلِّ مظاهرِ نعيمِ الجنة، من طَعامٍ وشَرابِ وزَواجٍ ولباس.

قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)) .

تنصّ الآيةُ على أَنَّ الرضوانَ الذي يُحِلّهُ اللهُ على المؤمنين والمؤمناتِ في الجنةِ أَكبرُ مِن كُلِّ مظاهرِ النعيمِ المادّيِّ فيها. ووَضَّحَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى.

فقد روى البخاريّ ومسلمٌ عن أَبي سعيدِ الخُدْرِيّ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ اللهَ تَبارَكَ وتعالى يَقولُ لأَهْلِ الجَنَّة: يا أَهْلَ الجَنَّة. فيقولون: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْك.فيقول: هل رضيتُم؟ فيقولون: وما لَنا لا نَرْضى، وقد أَعْطَيْتَنا ما لم تُعْطِ أَحَداً من خَلْقِك. فيقول: أَنا أُعطيكُم أَفْضَلَ من ذلك . قالوا: يا رَبَّنا: وأَيُّ شيءٍ أفضلُ من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رِضْواني، فلا أَسْخَطُ عليكم بعدَه أَبَداً ".

أَبَعْدَ هذه الآيات ِ القرآنيةِ الصريحة، التي تُصَوِّرُ ما يكونُ عليه المؤمنونَ في الجنةِ من سَعادةٍ ونَضرَةٍ وفَرَحٍ وسُرور، يَأتي الفادي المفْتَري ليَتَّهِمَ القرآنَ بأَنه لم يَذْكُرْ شيئاً عن هذه السَّعادَة؟!.

إِنَّ اللهَ يُكرِمُ المؤمنينَ في الجنة، بكُلِّ مَظاهرِ النعيم، سواء كان نَعيماً مادّيًّا، مُمَثَّلاً في الجَنّاتِ والأَشْجارِ والأَنْهار والقُصورِ واللِّباسِ والطَّعامِ والشَّرابِ والحُورِ العين.

أَو كان نَعيماً معنويًّا، مُمَثّلاً في سَعادتِهم وفَرحهِم وسُرورِهم ونَضْرَتِهم.

قال تعالى: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٣)) .