كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (ما هي مصادر القرآن البشرية؟)
الوصف
الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية
(ما هي مصادر القرآن البشرية؟)
يَرى الفادي المفترِي أَنَّ القرآنَ ليس كلامَ الله، وِإنما أَخَذَهُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - من مصادِرَ بشريةٍ حولَه! وزَعَمَ أَنَّ القرآنَ لا يَثبتُ أَمامَ التدبرِ والبحثِ والفحص.
وقد دَعانا اللهُ أَنْ نتدبَّرَ القرآنَ لمعرفةِ تناسُقِه وصحَّحِه وصَوابِه، وخُلُوِّهِ عن الخطأ والتناقضِ والاختلافِ والاضطراب، وذلك في قولِه تعالى:(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)).
وعلق الفادي على الآية بقوله: " وهل يَحتملُ القرآنُ التدبُّرَ والفحصَ؟ وهل يَقبلُ المسلمونَ مبدأَ البحثِ للوقوفِ على حَقيقةِ القرآن؟. لقد دَلَّت الأَبحاثُ أَنَّ محمداً أَخَذَ القرآنَ وشرائعَه من الصابئين، وعربِ الجاهلية، واليهودِ، والمسيحيين، وعن تَصَرُّفاتِه التي جعلَها سُنَّةً لغيرِه ".
هكذا إِذن! القرآنُ في نظرِ المفترِي لا يَصْمُدُ أَمامَ الفحصِ والبحثِ والتدبُّر! وقد دَلَّت الأَبحاثُ على أَنَ القرآنَ بشريُّ المصدر، أَخَذَهُ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - من الناس الذين حولَه، كالعربِ واليهودِ والصابئين.
ولم يُخْبرنا الفادي المفتري من هم الذينَ قاموا بتلك الأَبحاث، ولا كيفيةَ قيامِهم بها، ولا مكانَها وزمانَها ونتائجَها.
وللتَّدليلِ على دَعواهُ عَرَضَ نماذجَ من ما أَخَذَهُ محمدٌ عن كل من:
الصابئين والعربِ واليهودِ والنصارى وعاداتِه الشخصية! لِننظرْ في النماذجِ التي قَدَّمَها:
أولاً: ما أَخذه عن الصابئين: زَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - اعتبرَ الصابئين أَصحابَ دينٍ سماوي، وأَدخلَهم الجنة، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)) .
وقال أَيضاً بنفسِ الفكرةِ في سورة البقرة (٦١) ، وسورة الحج (١٧) . هل هذه الآيةُ اعترافٌ بدينِ الصابئين، وتَقريرٌ أَنهم على حق، وأَنهم من أَهلِ الجنة؟
إِنها تَذْكُرُ الصابئين مع اليهودِ والنصارى، فهل كُلُّ اليهودِ مؤمنون في الجنة؟ وهل كُلُّ النصارى مؤمنونَ في الجنة؟ كلا.
لا يُعْتَبَرُ مؤمناً مَقْبولاً من الصابئين واليهودِ والنَّصارى إِلّا مَنْ اَمنَ باللهِ واليومِ الآخرِ وعملَ صالحاً!.
ومتى يكونُ الإِيمانُ بالله صَحيحاً كاملاً؟ لا يَكونُ صحيحاً مقبولاً إلا إذا آمنَ صاحبُه بكلِّ رسلِ اللهِ وأَنبيائِه، وبكلِّ كتبه، فمنْ لم يؤمنْ بنبوةِ رسولٍ من رسلِه لم يُقْبَلْ إِيمانُه كُلُّه، ومَنْ لم يُؤْمِنْ بأَحَدِ كُتُبه التي أَنزلَها على رسلِه لم يُقْبَلْ إِيمانُه كُلُّه.
فهل الصابئون واليهودُ والنصارى يؤمنونَ بكلِّ كُتُبِ الله ورسلِه؟ الجوابُ بالنفي!!.
لا يؤمنُ الصابئونَ بدينِ اليهودِ والنصارى والمسلمين، فهم كافرونَ مُخَلَّدونَ في جهنم.
ولا يؤمنُ اليهودُ بدينِ النصارى، وينكرونَ رسالةَ عيسى وكتابَه الإِنجيلَ، كما يُنكرونَ رسالةَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - والقرآنَ المنزَّلَ عليه.
فهم كفارٌ لم يؤمنوا باللهِ حقّاً.أَمّا النَّصارى فإِنهم لا يؤمنون باللهِ حَقّاً، لأَنهم لا يؤمنونَ أَنَّ القرآنَ كَلامُ الله، ولا أَنَّ محمداً هو رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
أَما نحنُ المسلمين فإِنَّنا وَحْدَنا الذين نؤمنُ باللهِ حَقّاً، ونُحققُ أَركانَ الإِيمانِ كاملة، فإِننا نؤمنُ بكُل الرسلِ الذين أَرسلَهم الله، وفي مقدمتِهم موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، ونؤمنُ بكلِّ الكتبِ التي أَنزلها الله، ومنها التوراةُ والإِنجيلُ والقرآن.
وعندما ننظرُ في الآيةِ موضوعِ الحديث، فإِننا نَراها تُقَدِّمُ لنا المسلمين باعتبارِهم الأُمَّةَ التي حَقَّقت الإِيمانَ الصحيحَ الكامل، أَمّا الأُمَمُ الأُخرى فإِنَّ الواحدةَ منها لا تُقْبَلُ إِلّا إِذا كانَ إِيمانُها مثْلَ إِيمانِ المسلمين.
قال تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) .
وتتكوَّنُ الآية ُ من جملتَيْن: الجملة الأُولى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) .
والمرادُ بالموصولِ وصلَتِه (الَّذِينَ آمَنُوا) المسلمون. وخَبَرُ " إِنَّ " محذوف، والتقدير: إِنَّ المؤمنين مفلحون .
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩))
والجملة الثانية: (وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) .
فالواوُ في: (وَالَّذِينَ هَادُوا) حرفُ استئناف وليسَ حرفَ عَطْف. (وَالَّذِينَ هَادُوا) مبتدأ.
(وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) معطوفٌ عليه. والخَبَرُ هو: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) .
ومعنى هذه الجملةِ الاسمية: (وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : المؤمنونَ من هذهِ الطوائف: اليهود والصابئين والنصارى، هم الذينَ آمَنوا بالله واليوم الآخر.
ولَنْ يَكونوا مؤمنين باللهِ حقّاً إِلّا إِذا آمَنوا بكلِّ كتبِه وخاتمِها القرآنِ، وآمَنوا بكلِّ رسلِ الله، وخاتمِهم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
وليسَ في هذه الآية ثناءٌ على الصابئين، وشهادةٌ لهم بأَنهم من أَهلِ الجنة، كما زَعَمَ الفادي المفترِي وكَذَبَ الفادي المفترِي عندما زَعَمَ أَنَّ الإِسلامَ أَخَذَ عقيدتَه عن الصابئين! وذلك في قوله: " وقد نَقَلَ الإِسلامُ عنهم عقائدَهم، المعمولَ بها فيه إِلى الآن!! ".
ولم يَجِد المفترِي دَليلاً على دعواهُ الكبيرةِ الضالّة، إِلّا كَلاماً مُجْمَلاً نقلَه من كتاب " بلوغ الأَرَب في أَحوالِ العرب " للآلوسي، ولم يُقَدِّم الآلوسي دَليلاً على كلامِه، واكتفى بادِّعاءِ أَنَّ للصابئةِ خمسَ صلواتٍ مثْلَ صلواتِ المسلمين، ويُصَلُّونَ على الجنازةِ مثلَ صلاةِ المسلمين عَلَيْها، ويصومون ثلاثينَ يوماً مثلَ المسلمين، ويتوجَّهون في صلاتهم نحو الكعبة، ويُحَرِّمونَ الميتةَ والدمَ ولحمَ الخنزير، ويُحَرِّمونَ زواجَ المحرمات من القريبات مثل المسلمين!!
وَهَبْ أَنَّ هذا الكلامَ صحيحٌ فهل مَعْناهُ أَنَّ الإِسلام أَخَذَ عنهم عقائِدَهم؟ إِنَّ " الصابئينَ " فرقةٌ صغيرةٌ قليلةُ العدد، لا يتجاوزُ عَدَدُ أَفرادِها بضعةَ آلاف، وهم مُقيمونَ في العراق، ولعلَّهم تَأَثَّروا بالإِسلام على مَدارِ التاريخِ الإِسلامي، فأَخذوا منه بَعْضَ أَحكامِه وتَشريعاتِه. أَمّا أَنْ يكونَ الإِسلامُ هو الذي أَخَذَ وبهذا نَرى أَنَّ القرآنَ لم يَأخُذْ من الصابئين شيئاً، وأَنَّ الفادي كاذبٌ مُفْتَرٍ عندما ادَّعى ذلك!!.