كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (حول سور الخَلْع والحَفْد والنّورين)
الوصف
الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية
(حول سور الخَلْع والحَفْد والنّورين)
يَرى الفادي المفترِي أَنَّ المسلمينَ حَرَّفوا القرآن، وأَسقطوا منه بعضَ سُوَرِه، وأَنَّ بعضَ المسلمين أَلَّفَ بعضَ السورِ القرآنية، وهو بهذا يُكَذِّبُ آياتِ التحدي، التي قَرَّرَتْ أَن البَشَرَ لا يمكنُ أَنْ يأتوا بمثْلِ القرآن.
قال: جاءَ في سورةِ البقرة: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (٢٤)) .
وجاءَ في سورةِ يونس: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)) .
وجاءَ في سورة الإسراء: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)) ."
ولم يُصَدِّق الفادي المفترِي مضمونَ آياتِ التحدي، وزَعَمَ أَنه تَمَّ الإِتْيانُ بسُوَرٍ مثلِ القرآن.
قال: " فماذا يَحدثُ لو أَنَّنا أَتينا بسورةٍ واثنتينِ وثلاثِ سُوَرٍ مثلِ القرآن، دونَ حاجةٍ إِلى اجتماعِ الإِنسِ والجِنِّ؟ ".
والسورُ الثلاثُ التي زَعَمَ الفادي المجرمُ أَنها مثْلُ القرآن، هي سور: الخَلْعِ والحَفْدِ والنُّورَيْن، وزَعَمَ أَنَّ سورتي الحَفْدِ والخَلْعِ كانتا في مصحفِ أُبَيّ بنِ كَعْب وابنِ عباس، وذَكَرَ كلماتِ السُّوَرِ الثلاث.
ونَصُّ سورةِ الخلْعِ الذي ذَكَرَه هو: " اللهمَّ إِنّا نَستعينُك ونَستغفرُك، ونُثْني عليكَ ولا نَكْفُرُك، ونَخلعُ ونَتركُ مَنْ يَفجرُك ".
ونَصُّ سورةِ الحَفْدِ الذي ذَكَرَه هو: " اللهمَّ إِيّاك نَعْبُد، ولك نُصَلّ ونَسجد، وإِليكَ نَسْعى ونَحْفِد، نَرجو رحمتَك ونَخشى عَذابَك، إِنَّ عذابك بالكفارِ مُلْحِق ".
وعَلَّقَ على كلماتِ السورتَيْن المزعومتَيْن بقوله: " ومعلومٌ أَنَّ سورتَي الخَلْعِ والحَفْدِ جاءَتا في مصحفِ أُبَيِّ بنِ كعب، وفي مصحفِ ابنِ عباس، وأَنَّ محمداً عَلَّمَهُما لعليّ بن أَبي طالب، الذي كان يُعَلِّمُهما للناس، وصَلّى بهماعمر بن الخطاب فلماذا لا تُوجدَانِ في القرآن المتداوَلِ اليوم؟ ولماذا أَسْقَطَهُما المسلمون؟.. ".
وهذا التعليقُ كَذِب وافتراء، ومَصاحفُ الصحابةِ الشخصيةُ لا تُخالفُ المصحفَ الإِمامَ، الذي أَجمعَ عليه الصحابة، ولم يكنْ لأُبَيِّ بنِ كعبٍ، ولا لابْنِ عَبّاس ولا لابنِ مسعود - رضي الله عنهم - مصاحِفُ خاصَّة، فيها سورتا الخَلْعِ والحَفد، كما زَعَمَ الفادي المفترِي.
وأَلْفاظُ سورتي الخَلْعِ والحَفْدِ التي سَجَّلَها الفادي الجاهلُ، كان عمرُ بنُ الخطاب - رضي الله عنه - يَقرأ بها في الصلاةَ! وعَلَّمَها الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - علياً، ليقرأَ بها في الصلاة!! نعم، هذا صحيح!! لكنْ ليسَ على أَنها من القرآن، وإِنما على أَنها دعاء لله.
أَلفاظُ السورتَيْن المزعومتَيْن جزءٌ من دعاءِ القُنوت، كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدْعو به في الصلاة، وعَلَّمَه لعمرَ وعليٍّ وغيرهما من الصحابة - رضي الله عنهم -، وكانوا يَدْعونَ اللهَ به في الصلاة، وسمعَه منهم المسلمون، ورَوَوه عنهم، وذُكِرَ هذا في الكتب.
وقَرَأَ قومُ الفادي من المستشرقين أَلْفاظَ هذا الدعاء، وأَنهم كانوا يَذْكُرونَه في الصلاة، فاعْتَبَروهُ من القرآنِ لجَهْلِهم وغَبائِهم!!.
دُعاءُ القنوتِ الذي يَدْعو به المؤمنون في صلاةِ الفجر، وفي صلاةِ الوِتْرهو: " اللهمَّ إِنّا نَستعينُك، ونَستهديك، ونَستغفرُك، ونَتوبُ إِليك، ونُؤمنُ بك، ونتوكَّلُ عليك، ونُثْني عليكَ الخيْرَ كُلَّه، نَشكُرُك ولا نَكفُرُك، ونَخلعُ ونَتركُ مَنْ يَفجرُك، اللهمَّ إِيّاك نَعْبُد، ولكَ نُصَلّي ونَسْجُد، وإِليكَ نَسْعى ونَحْفِد، نَرجو رَحْمَتَك، ونَخشى عَذأبَك، إِنَّ عذابَكَ الجِدَّ بالكُفّارِ مُلْحِق ".
أَمّا كلماتُ سورةِ النورَيْن التي زعمَ المفْتري وقومُه أَنَّها من القرآنِ المحذوفِ فإِنها كلماتٌ ركيكةٌ ضعيفة، لا تَرْقى إِلى مستوى الكلامِ العربيِّ الفَصيحِ البليغ، فَضْلاً عَنْ بُلوغِها مستوى القرآنِ العظيمِ المعجز، وهي كلماتٌ صاغَها قومٌ ضعفاءُ في التعبيرِ البيانيِّ المشرق!.
وأَضَعُ بين يدي القراءِ كلماتِ هذه السورةِ المفتراة، وأَدْعوهم إِلى إِمعانِ النظرِ فيها، ليَعْرِفوا صِدْقَ ما أَقول: " بسم الله الرحمن الرحيم: يا أيها الذين آمَنوا: آمِنوا بالنورَيْن، أَنزلناهما، يَتْلُوان عليكم آياتي، ويُحَذِّرانكم عذابَ يومٍ عظيم.. ولا وَجْهَ للمقارنةِ بينَ هذا الكلامِ وبينَ القرآن، لأَنه لا مُقارنَةَ بين الثّرى على الأَرْضِ والثُّرَيّا في السماء!!.
وكم كان الفادي غَبِيّاً سَخيفاً عندما جَعَلَ عنوانَ كلامِه: " سُوَرٌ مِثْلُه "، وادَّعى أَنَّ هذا الكلامَ مِثْلُ القرآن! ولا أَتحرجُ من ذِكْرِ وتَسجيلِ ما زَعَمَه بعضهم من أَنَّه قرآن، وما ادَّعاهُ بعضُهم من القدرةِ على معارضةِ القرآنِ
والإِتيانِ بسوَرٍ مثلِه، ولا أَخافُ منه على القرآن.ولدي قراءتِنا لكلامِهم التافهِ الذي كَتَبوه نَزْدادُ ثقةً بالقرآن، ومحبةً له، ويَقيناً بأَنَّه كلامُ الله، وعجز البشرِ الأَبَدِيِّ عن معارضتِه!!.