كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (المسيحُ وجيهٌ في الدنيا والآخرة)
الوصف
الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية
(المسيحُ وجيهٌ في الدنيا والآخرة)
ذَكَرَ القرآنُ أَنَّ عيسى - عليه السلام - وجيهٌ في الدنيا والآخرة. قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦)) .
واستَخرجَ الفادي المفترِي من الآيةِ ما يتفقُ مع هواهُ من تَأليهِ عيسى - عليه السلام -.
قال: " قال في تفسير الجلالين: " (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) : ذا جاه في الدُّنيا بسببِ النبوة، وفي الآخرةِ بسببِ الشفاعةِ والدَّرَجاتِ العُلا".فلماذا يَخُصُّ القرآنُ المسيحَ بالوجاهةِ في الدنيا والآخرة؟ ".
لم يَخُصّ القرآنُ المسيحَ بالوجاهةِ في الدنيا والآخرةِ، كما ادَّعى المفتري، وإِنَّما أَخبرَ أَنه وجيهٌ في الدنيا والآخِرة، والإِخبارُ بوجاهتِه لا يَعْني اخْتِصاصَه بها.
فقد أَخبرَنا اللهُ أَنَّ موسى - عليه السلام - وجيهٌ عندَ الله. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩)) .
والشفاعةُ في الآخرةِ مَقامٌ محمود، خَصَّ اللهُ به أَشرفَ الخلقِ محمداً - صلى الله عليه وسلم -. قالَ اللهُ عنه: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)) .
ويوضِّحُ المرادَ بالمقامِ المحمودِ في الآخرة بأَنه الشفاعةُ، ما رواهُ البخاريّ عن أَنسِ بن مالك - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنه قالَ في حديثِ الشفاعةِ الطويل: "
يَجتمعُ المؤمنونَ يومَ القيامة، فيقولون: لو استشفَعْنا إِلى رَبِّنا، فيأتون آدمَ فيقولون: أَنتَ أَبو الناس فاشْفَعْ لنا عنْدَ رَبِّك، حتى يُريحَنا من مكانِنا هذا، فيقول: لستُ هُناكم " إِلى أَنْ " يَأتوا عيسى - عليه السلام -، فيقولون: يا عيسى: أَنتَ عبدُ اللهِ ورسولُه، وكلمتُه أَلْقاها إِلى مريمَ وروحٌ منه، اشفعْ لنا عندَ رَبّك، فيقول: لستُ هُناكم، ولكن ائْتُوا مُحَمداً، عَبْدَاً غفرَ اللهُ له ما تقدَّمَ من ذنبِه وما تَأَخَّر فيَأتوني فأَنطلقُ، حتى أَستأذنَ على رَبّي، فَيُؤْذَنَ لي، فإِذا رأيتُ رَبّي وَقَعْتُ ساجداً، فيَدَعُني ما شاءَ اللهُ، ثم يُقال: ارْفَعْ رأْسَكَ، وسَلْ تُعْطَهْ، وقُلْ يُسْمَعْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ ".
لم يَخُصّ اللهُ عيسى - عليه السلام - بالشفاعةِ كما ادَّعى المفْتري، إِنما خَصّ بها عبدَه ورسولَه محمداً - صلى الله عليه وسلم.
وارتكبَ الفادي المحَرّفُ جَريمةً نكراء، عندما حَرَّفَ معنى آيةٍ تتحدَّثُ عن اللهِ رَبِّ العالمين، وجَعَلَها تتحدثُ عن المسيح - عليه السلام قال: " جاءَ في سورةِ السجدةِ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (٤)) .تَذْكُرُ الآيةُ أَنَّ اللهَ هو الذي خَلَقَ السمواتِ والأَرضَ في ستةِ أَيام، وأَنه استوى على العرش، وتُبَيِّنُ أَنه لا يوجَدُ للناسِ وَلِيٌّ ولا شَفيع من دون الله ".
وقد ادّعى المفترِي أَنَّ الآيةَ خَصَّتْ عيسى - عليه السلام - بالشفاعةِ. قال: " فلماذا لم يُعْطِ اللهُ سُلْطاناً لأَحَدٍ من البَشَرِ بالشفاعةِ إِلّا المسيح؟ أَليس لأَنه ابْنُ اللهِ المتجسِّدُ، والوسيطُ الوحيدُ بينَ اللهِ والناس؟ ".
آيةُ سورةِ السجدةِ لا تتحدَّثُ عن المسيحِ، وإِنما تتحدَّثُ عن الله، والهاءُ في (مِنْ دُونِهِ) لا تعودُ على المسيح، وإِنما تعودُ على الله. والمعنى: ليس للناسِ وليٌّ ولا شفيع من دونِ الله. وذَكَرَ الفادي المفترِي الكافِرُ باللهِ عبارةً كافرةً فاجرة، جعلَ فيها المسيحَ ابْناً لله: " أَليس لأَنهُ ابْنُ الله المتجسِّدُ ".
ويؤمنُ المؤمنونَ أَن اللهَ ليسَ له ابْن ولا صاحبة.حتّى الجنُّ يؤمنون بذلك، وقد أَخْبَرَنا اللهُ عن إِيمانِهم بقولِه تعالى: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (٣)) .
وكَذَبَ الفادي المفترِي عندَما قال: " والمسيحُ هو الوسيطُ الوحيدُ بينَ اللهِ والناس " ولقد رحمَ اللهُ النّاس، فلم يجعلْ أَيَّ شَخصٍ وَسيطاً بينَهم وبينَه، لا عيسى ولا محمداً ولا مَلَكاً وأَذِنَ اللهُ لأَيّ إِنسانٍ أَنْ يتصلَ به مباشرة، عن طريقِ ذِكْرِهِ وشُكْرِه وعبادتِه ومناجاتِه.