كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (هل صرف القرآن الممنوع من الصرف؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (هل صرف القرآن الممنوع من الصرف؟)
192 0

الوصف

                                                   الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية 

                                                 (هل صرف القرآن الممنوع من الصرف؟)

اعترضَ الفادي على تنوينِ (قَوَارِيَرْا) في قوله تعالى: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (١٥) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (١٦)) .

كما اعترضَ على تنوينِ (سَلَاسِلًا) في قولِه تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (٤)) .

يرى الفادي أَنَّ (قَوَارِيَرا) ممنوعةٌ من الصرف، لأَنَّها على وَزْنِ " مَفاعيل "، مثلُ " مصابيح ".

والممنوعُ من الصرفِ لا يُنَوَّن، إلّا بشروط، لذلك أَخْطَأَ القرآنُ، في نظر الفادي في تنوين (قَوَارِيَرا) وصَرْفِها، كذلك أَخْطَأَ القرآنُ في - نظر الفادي - في تنوينِ وصَرْفِ (سَلَاسِلًا) ، مع أَنها ممنوعةٌ من الصَّرْف، لأَنها على وَزْنِ " مفاعل ".

وتوجيهُ تَنوينِ الكلِمَتَيْن الممنوعتَيْن من الصَّرْفِ " سلاسل " و " قواريرَ " سهل. في كلمةِ " سلاسلَ " قراءتان صحيحتان:

 الأُولى: قراءةُ نافع والكسائي وأَبي جعفر المدني، وروايةُ أَبي بكرٍ عن عاصم، وهشام عن ابنِ عامر: " سلاسلاً " بالتنوين.

والكلمةُ مُنَوَّنَةٌ على هذه القراءة، مع أَنها ممنوعةٌ من الصرفِ في الأَصْلِ، لوقوعِ كلمتَيْن مصروفتَيْن بعدها: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا) ، وحكمةُ تنوينها وصرفها مراعاةُ المزاوجةِ والجوار، ومراعاةُ المزاوجةِ طريقةٌ فصيحةٌ بليغةٌ ملحوظة، ولا تُسَمّى خطأً نحويّاً في اللغةِ والقرآن، كما زَعَمَ الفادي الجاهل!.

(وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (١٥) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (١٦))

الثانيةُ: قراءةُ ابنِ كثير وحمزةَ وأَبي عمرو ويعقوب وخلف وروايةُ حفصٍ عن عاصم: " سَلاسِلَ " بالفتحة فقط.

على أَنه ممنوعٌ من الصَّرْف، لأَنه على صيغةِ منتهى الجموع. وعليه يكونُ اعتراضُ الفادي الجاهل مَرْدوداً، فالكلمةُ ممنوعَةٌ من الصَّرْفِ على القراءتين، لكنها مُنَوَّنَةٌ على القراءةِ الأُولى للمزاوجةِ والمجاورة.

وفي كلمةِ قوارير في قوله تعالى: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (١٥) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) ثَلاثُ قراءات:

 الأُولى: قراءةُ نافع والكسائي: (قَوَارِيرَا) .. (قَوَارِيَرْا) بتنوينِ الكلمتَيْن، والوقوفِ عليهما بالأَلفِ، اتِّباعاً لرسْمِ المصحف، لأَنَّ الكلمتَيْن مكتوبَتان في المصحفِ بالأَلِف.

وتوجيهُ هذه القراءةِ أَنَ تنوين " قواريرا " الأُولى ليس صَرْفاً لها، لأَنها ممنوعةٌ من الصَّرف، وإِنما تنوينُها مراعاةً للفاصلةِ في الآياتِ التي قَبْلَها وبَعْدَها، حيثُ خُتمتْ آياتُ السورةِ الواحدةُ والثلاثون كلُّها بكلماتٍ مُنَوَّنَة، فمن غيرِ المناسبِ أَنْ تأْتِيَ " قواريرَ " وَحْدَها ممنوعةً من الصَّرْف، وسْطَ ثلاثينَ آيةً مُنَونَة! وهذا من روائعِ التناسقِ في السياقِ القرآني، وليس مَأْخَذاً عليه! وأَمَّا تَنوينُ (قَوَارِيَرْا) الثانية فلمجاوَرَتِها (قَوَارِيَرْا) الأُولى المنَوَّنَة.

الثانية: قراءةُ ابنِ كثير وخَلَف: (قَوَارِيَرْا) الأُولى بالتنوين. و (قَوَارِيَرْا) الثانية بالفتحةِ وليسَ بالتنوين. 

وحُجَّةُ تَنوينِ الأُولى موافقتُها للفاصلةِ في آيات السورةِ كما قَرَّرْنا، وحُجَّةُ عدمِ تنوينِ الثانيةِ عدمُ الاعتدادِ بالمجاورةِ والمزاوجة، واعتمادُ المنع من الصرف.

الثالثة: قراءةُ أَبي عمرو وابن عامر وحمزة، وروايةُ حفصٍ عن عاصم بعدمِ التنوينِ في الكلمتين: (قَوَارِيَرْا) ... (قَوَارِيَرْا) .

واعتمادِ القاعدةِ في منعِ الكلمتَيْن من الصرف. وتقديمِ القاعدةِ النحوية على رؤوس الآياتِ والمجاورةِ. ولكنهم وقفوا على (قَوَارِيَرْا) الأُولى بالأَلفِ، لأَنها رأسُ آية: (وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا)

بهذا التوجيهِ للقراءاتِ الثَّلاثِ نَعرفُ خَطَأَ وجهلَ الفادي المفترِي في اعتراضه على القرآن، وأَنه تكلَّمَ بشيء لا يَعرفُ عنه شيئاً، ورحمَ اللهُ امرءًا عَرَفَ قَدْرَ نفسه!.